Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ٢١٩
﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتّى جاءَ الحَقُّ وظَهَرَ أمْرُ اللَّهِ وهم كارِهُونَ﴾الجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ (﴿يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ﴾ [التوبة: ٤٧]) لِأنَّها دَلِيلٌ بِأنَّ ذَلِكَ دَيْدَنٌ لَهم مِن قَبْلُ، إذِ ابْتَغَوُا الفِتْنَةَ لِلْمُسْلِمِينَ وذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ إذِ انْخَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ ومَن مَعَهُ مِنَ المُنافِقِينَ بَعْدَ أنْ وصَلُوا إلى أُحُدٍ، وكانُوا ثُلُثَ الجَيْشِ قَصَدُوا إلْقاءَ الخَوْفِ في نُفُوسِ المُسْلِمِينَ حِينَ يَرَوْنَ انْخِزالَ بَعْضِ جَيْشِهِمْ، وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الَّذِينَ ابْتَغَوُا الفِتْنَةَ اثْنا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ المُنافِقِينَ، وقَفُوا عَلى ثَنِيَّةِ الوَداعِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ لِيَفْتِكُوا بِالنَّبِيءِ ﷺ .
وقَلَّبُوا بِتَشْدِيدِ اللّامِ مُضاعَفُ قَلَبَ المُخَفَّفِ، والمُضاعَفَةُ لِلدَّلالَةِ عَلى قُوَّةِ الفِعْلِ. فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن قَلَبَ الشَّيْءَ إذا تَأمَّلَ باطِنَهُ وظاهِرَهُ لِيَطَّلِعَ عَلى دَقائِقِ صِفاتِهِ فَتَكُونُ المُبالَغَةُ راجِعَةً إلى الكَمِّ أيْ كَثْرَةِ التَّقْلِيبِ، أيْ تَرَدَّدُوا آراءَهم وأعْمَلُوا المَكائِدَ والحِيَلَ لِلْإضْرارِ بِالنَّبِيءِ ﷺ والمُسْلِمِينَ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَلَّبُوا مِن قَلَبَ بِمَعْنى فَتَّشَ وبَحَثَ، اسْتُعِيرَ التَّقْلِيبُ لِلْبَحْثِ والتَّفْتِيشِ لِمُشابَهَةِ التَّفْتِيشِ لِلتَّقْلِيبِ في الإحاطَةِ بِحالِ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِ - تَعالى: ﴿فَأصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾ [الكهف: ٤٢] فَيَكُونُ المَعْنى، أنَّهم بَحَثُوا وتَجَسَّسُوا لِلِاطِّلاعِ عَلى شَأْنِ المُسْلِمِينَ وإخْبارِ العَدُوِّ بِهِ.
واللّامُ في قَوْلِهِ: (لَكَ) عَلى هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ لامُ العِلَّةِ، أيْ لِأجْلِكَ وهو مُجْمَلٌ يُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ: ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الفِتْنَةَ مِن قَبْلُ﴾ . فالمَعْنى اتَّبَعُوا فِتْنَةً تَظْهَرُ مِنكَ، أيْ في أحْوالِكَ وفي أحْوالِ المُسْلِمِينَ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَلَّبُوا مُبالَغَةً في قَلْبِ الأمْرِ إذا أخْفى ما كانَ ظاهِرًا مِنهُ وأبْدى ما كانَ خَفِيًّا، كَقَوْلِهِمْ: قَلَبَ لَهُ ظَهْرَ المِجَنِّ. وتَعْدِيَتُهُ بِاللّامِ في قَوْلِهِ: (لَكَ) ظاهِرَةٌ.
صفحة ٢٢٠
والأُمُورُ جَمْعُ أمْرٍ، وهو اسْمٌ مُبْهَمٌ مِثْلُ شَيْءٍ كَما في قَوْلِ المَوْصِلِيِّ:ولَكِنْ مَقادِيرُ جَرَتْ وأُمُورُ
والألِفُ واللّامُ فِيهِ لِلْجِنْسِ، أيْ أُمُورًا تَعْرِفُونَ بَعْضَها ولا تَعْرِفُونَ بَعْضًا.وحَتّى غايَةٌ لِتَقْلِيبِهِمُ الأُمُورَ.
ومَجِيءُ الحَقِّ حُصُولُهُ واسْتِقْرارُهُ والمُرادُ بِذَلِكَ زَوالُ ضَعْفِ المُسْلِمِينَ وانْكِشافُ أمْرِ المُنافِقِينَ.
والمُرادُ بِظُهُورِ أمْرِ اللَّهِ نَصْرُ المُسْلِمِينَ بِفَتْحِ مَكَّةَ ودُخُولُ النّاسِ في الدِّينِ أفْواجًا. وذَلِكَ يَكْرَهُهُ المُنافِقُونَ.
الظُّهُورُ والغَلَبَةُ والنَّصْرُ.
وأمْرُ اللَّهِ دِينُهُ، أيْ فَلَمّا جاءَ الحَقُّ وظَهَرَ أمْرُ اللَّهِ عَلِمُوا أنَّ فِتْنَتَهم لا تَضُرُّ المُسْلِمِينَ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَرَوْا فائِدَةً في الخُرُوجِ مَعَهم إلى غَزْوَةِ تَبُوكَ فاعْتَذَرُوا عَنِ الخُرُوجِ مِن أوَّلِ الأمْرِ.