Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ومِنهم مَن يُؤْمِنُ بِهِ ومِنهم مَن لا يُؤْمِنُ بِهِ ورَبُّكَ أعْلَمُ بِالمُفْسِدِينَ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ [يونس: ٣٩] لِأنَّ الإخْبارَ عَنْ تَكْذِيبِهِمْ بِأنَّهُ دُونَ الإحاطَةِ بِعِلْمِ ما كَذَّبُوا بِهِ يَقْتَضِي أنَّ تَكْذِيبَهم بِهِ لَيْسَ عَنْ بَصِيرَةٍ وتَأمُّلٍ. وما كانَ بِهاتِهِ المَثابَةِ كانَ حالُ المُكَذِّبِينَ فِيهِ مُتَفاوِتًا حَتّى يَبْلُغَ إلى أنْ يَكُونَ تَكْذِيبًا مَعَ اعْتِقادِ نَفْيِ الكَذِبِ عَنْهُ، ولِذَلِكَ جاءَ مَوْقِعُ هَذِهِ الآيَةِ عَقِبَ الأُخْرى مَوْقِعَ التَّخْصِيصِ لِلْعامِّ في الظّاهِرِ أوِ البَيانِ لِلْمُجْمَلِ مِن عَدَمِ الإحاطَةِ بِعِلْمِهِ، كَما تَقَدَّمَ بَيانُهُ في قَوْلِهِ: ﴿بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ [يونس: ٣٩]
فَكانَ حالُهم في الإيمانِ بِالقُرْآنِ كَحالِهِمْ في اتِّباعِ الأصْنامِ إذْ قالَ فِيهِمْ ﴿وما يَتَّبِعُ أكْثَرُهم إلّا ظَنًّا﴾ [يونس: ٣٦]
صفحة ١٧٥
فَأشْعَرَ لَفْظُ أكْثَرِهِمْ بِأنَّ مِنهم مَن يَعْلَمُ بُطْلانَ عِبادَةِ الأصْنامِ ولَكِنَّهم يَتَّبِعُونَها مُشايَعَةً لِقَوْمِهِمْ ومُكابَرَةً لِلْحَقِّ، وكَذَلِكَ حالُهم في التَّكْذِيبِ بِنِسْبَةِ القُرْآنِ إلى اللَّهِ، فَمِنهم مَن يُؤْمِنُ بِهِ ويَكْتُمُ إيمانَهُ مُكابَرَةً وعَداءً، ومِنهم مَن لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ويُكَذِّبُونَ عَنْ تَقْلِيدٍ لِكُبَرائِهِمْ.والفَرِيقانِ مُشْتَرِكانِ في التَّكْذِيبِ في الظّاهِرِ كَما أنْبَأتْ عَنْهُ ”مِنِ“ التَّبْعِيضِيَّةُ، وضَمِيرُ الجَمْعِ عائِدٌ إلى ما عادَتْ إلَيْهِ ضَمائِرُ ﴿أمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ﴾ [يونس: ٣٨] فَمَعْنى يُؤْمِنُ بِهِ يُصَدِّقُ بِحَقِّيَّتِهِ في نَفْسِهِ ولَكِنَّهُ يَظْهَرُ تَكْذِيبُهُ جَمْعًا بَيْنَ إسْنادِ الإيمانِ إلَيْهِمْ وبَيْنَ جَعْلِهِمْ بَعْضًا مِنَ الَّذِينَ يَقُولُونَ افْتَراهُ
واخْتِيارُ المُضارِعِ لِلدَّلالَةِ عَلى اسْتِمْرارِ الإيمانِ بِهِ مِن بَعْضِهِمْ مَعَ المُعانَدَةِ، واسْتِمْرارِ عَدَمِ الإيمانِ بِهِ مِن بَعْضِهِمْ أيْضًا.
وجُمْلَةُ ﴿ورَبُّكَ أعْلَمُ بِالمُفْسِدِينَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ في آخِرِ الكَلامِ عَلى رَأْيِ المُحَقِّقِينَ مِن عُلَماءِ المَعانِي، وهي تَعْرِيضٌ بِالوَعِيدِ والإنْذارِ، وبِأنَّهم مِنَ المُفْسِدِينَ، لِلْعِلْمِ بِأنَّهُ ما ذَكَرَ المُفْسِدِينَ هُنا إلّا لِأنَّ هَؤُلاءِ مِنهم وإلّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ المُفْسِدِينَ مُناسَبَةٌ، فالمَعْنى: ورَبُّكَ أعْلَمُ بِهِمْ لِأنَّهُ أعْلَمُ بِالمُفْسِدِينَ الَّذِينَ هم مِن زُمْرَتِهِمْ.