﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾

مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أتاكم عَذابُهُ بَياتًا أوْ نَهارًا﴾ [يونس: ٥٠] الآيَةَ. و”ثُمَّ“ لِلتَّراخِي الرُّتْبِيِّ، فَهَذا عَذابٌ أعْظَمُ مِنَ العَذابِ الَّذِي في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أتاكم عَذابُهُ بَياتًا أوْ نَهارًا﴾ [يونس: ٥٠]

صفحة ١٩٥

فَإنَّ ذَلِكَ عَذابُ الدُّنْيا وأمّا عَذابُ الخُلْدِ فَهو عَذابُ الآخِرَةِ وهَذا أعْظَمُ مِن عَذابِ الدُّنْيا، فَذَلِكَ مَوْقِعُ عَطْفِ جُمْلَتِهِ بِحَرْفِ ”ثُمَّ“

وصِيغَةُ المُضِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ مُسْتَعْمَلَةٌ في مَعْنى المُسْتَقْبَلِ تَنْبِيهًا عَلى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ مِثْلَ ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١]

والَّذِينَ ظَلَمُوا هُمُ القائِلُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ. وأظْهَرَ في مَقامِ الإضْمارِ لِتَسْجِيلِ وصْفِ الظُّلْمِ عَلَيْهِمْ وهو ظُلْمُ النَّفْسِ بِالإشْراكِ. ومَعْنى ظَلَمُوا: أشْرَكُوا.

والذَّوْقُ: مُسْتَعْمَلٌ في الإحْساسِ، وهو مَجازٌ مَشْهُورٌ بِعَلاقَةِ الإطْلاقِ.

والِاسْتِفْهامُ في ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ﴾ إنْكارِيٌّ بِمَعْنى النَّفْيِ، ولِذَلِكَ جاءَ بَعْدَهُ الِاسْتِثْناءُ ﴿إلّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾

وجُمْلَةُ ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إلّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِأنَّ جُمْلَةَ ﴿ذُوقُوا عَذابَ الخُلْدِ﴾ تُثِيرُ سُؤالًا في نُفُوسِهِمْ عَنْ مِقْدارِ ذَلِكَ العَذابِ فَيَكُونُ الجَوابُ عَلى أنَّهُ عَلى قَدْرِ فَظاعَةِ ما كَسَبُوهُ مِنَ الأعْمالِ مَعَ إفادَةِ تَعْلِيلِ تَسْلِيطِ العَذابِ عَلَيْهِمْ.