Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ويَسْتَنْبِئُونَكَ أحَقٌّ هو قُلْ إي ورَبِّيَ إنَّهُ لَحَقٌّ وما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾
هَذا حِكايَةُ فَنٍّ مِن أفانِينِ تَكْذِيبِهِمْ، فَمَرَّةً يَتَظاهَرُونَ بِاسْتِبْطاءِ الوَعْدِ اسْتِخْفافًا بِهِ، ومَرَّةً يُقْبِلُونَ عَلى الرَّسُولِ في صُورَةِ المُسْتَفْهِمِ الطّالِبِ فَيَسْألُونَهُ: أهَذا العَذابُ الخالِدُ، أيْ عَذابُ الآخِرَةِ، حَقٌّ.
فالجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ويَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ﴾ [يونس: ٤٨]، وضَمِيرُ الجَمْعِ عائِدٌ إلَيْهِمْ فَهُمُ المُسْتَنْبِئُونَ لا غَيْرُهم، وضَمِيرُ هو عائِدٌ إلى ﴿عَذابَ الخُلْدِ﴾ [يونس: ٥٢]
صفحة ١٩٦
والحَقُّ: الثّابِتُ الواقِعُ، فَهو بِمَعْنى حاقٍّ، أيْ ثابِتٍ، أيْ أنَّ وُقُوعَهُ ثابِتٌ، فَأسْنَدَ الثُّبُوتَ لِذاتِ العَذابِ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّياقُ إذْ لا تُوصَفُ الذّاتُ بِثُبُوتٍ.وجُمْلَةُ ﴿أحَقٌّ هُوَ﴾ اسْتِفْهامِيَّةٌ مُعَلِّقَةٌ فِعْلَ يَسْتَنْبِئُونَكَ عَنِ العَمَلِ في المَفْعُولِ الثّانِي، والجُمْلَةُ بَيانٌ لِجُمْلَةِ يَسْتَنْبِئُونَكَ لِأنَّ مَضْمُونَها هو الِاسْتِثْناءُ.
والضَّمِيرُ يَجُوزُ كَوْنُهُ مُبْتَدَأً، و”أحَقٌّ“ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ.
واسْتَعْمَلُوا الِاسْتِفْهامَ تَبالُهًا، ولِذَلِكَ اشْتَمَلَ الجَوابُ المَأْمُورُ بِهِ عَلى مُراعاةِ الحالَتَيْنِ فاعْتَبَرَ أوَّلًا ظاهِرَ حالِ سُؤالِهِمْ فَأُجِيبُوا عَلى طَرِيقَةِ الأُسْلُوبِ الحَكِيمِ بِحَمْلِ كَلامِهِمْ عَلى خِلافِ مُرادِهِمْ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ الأوْلى بِهِمْ سُؤالُ الِاسْتِرْشادِ تَغْلِيطًا لَهم واغْتِنامًا لِفُرْصَةِ الإرْشادِ بِناءً عَلى ظاهِرِ حالِ سُؤالِهِمْ، ولِذَلِكَ أكَّدَ الجَوابَ بِالتَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ إذْ جَمَعَ بَيْنَ حَرْفِ إي وهو حَرْفُ جَوابٍ يُحَقَّقُ بِهِ المَسْئُولُ عَنْهُ، وبَيْنَ الجُمْلَةِ الدّالَّةِ عَلى ما دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ الجَوابِ، وبِالقَسَمِ، وإنَّ، ولامِ الِابْتِداءِ، وكُلُّها مُؤَكِّداتٌ.
والِاعْتِبارُ الثّانِي اعْتِبارُ قَصْدِهِمْ مِنِ اسْتِفْهامِهِمْ فَأُجِيبُوا بِقَوْلِهِ: ﴿وما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ . فَجُمْلَةُ ﴿وما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ جَوابِ القَسَمِ فَمَضْمُونُها مِنَ المُقْسَمِ عَلَيْهِ. ولَمّا كانَ المُقْسَمُ عَلَيْهِ جَوابًا عَنِ اسْتِفْهامِهِمْ كانَ مَضْمُونُ ﴿وما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ جَوابًا عَنِ الِاسْتِفْهامِ أيْضًا بِاعْتِبارِ ما أضْمَرُوهُ مِنَ التَّكْذِيبِ، أيْ هو واقِعٌ وأنْتُمْ مُصابُونَ بِهِ غَيْرَ مُفْلِتِينَ مِنهُ. ولَيْسَ فِعْلُ ”يَسْتَنْبِئُونَكَ“ مُسْتَعْمَلًا في التَّظاهُرِ بِمَعْنى الفِعْلِ كَما اسْتُعْمِلَ قَوْلُهُ: ﴿يَحْذَرُ المُنافِقُونَ أنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ﴾ [التوبة: ٦٤]، كَما تَقَدَّمَ في ”بَراءَةٌ“ لِأنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِنْباءِ واقِعَةٌ هُنا إذْ قَدْ صَرَّحُوا بِصُورَةِ الِاسْتِفْهامِ.
و”إي“ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ: حَرْفُ جَوابٍ لِتَحْقِيقِ ما تَضَمَّنَهُ سُؤالُ سائِلٍ، فَهو مُرادِفُ ”نَعَمْ“، ولَكِنْ مِن خَصائِصِ هَذا الحَرْفِ أنَّهُ لا يَقَعُ إلّا وبَعْدَهُ القَسَمُ.
والمُعْجِزُونَ: الغالِبُونَ، أيْ وما أنْتُمْ بِغالِبِينَ الَّذِي طَلَبَكم، أيْ بِمُفْلِتِينَ. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿إنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الأنعام: ١٣٤] في سُورَةِ الأنْعامِ.