صفحة ١٥٥

﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ولِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّهم كانُوا كاذِبِينَ﴾

(لِيُبَيِّنَ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ تَعالى ﴿وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾ [النحل: ٣٨] لِقَصْدِ بَيانِ حِكْمَةِ جَعْلِهِ وعْدًا لازِمًا لا يَتَخَلَّفُ؛ لِأنَّهُ مَنُوطٌ بِحِكْمَةٍ، واللَّهُ تَعالى حَكِيمٌ لا تَجْرِي أفْعالُهُ عَلى خِلافِ الحِكْمَةِ التّامَّةِ، أيْ جَعَلَ البَعْثَ لِيُبَيِّنَ لِلنّاسِ الشَّيْءَ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ والباطِلِ؛ فَيَظْهَرُ حَقُّ المُحِقِّ، ويَظْهَرُ باطِلُ المُبْطِلِ في العَقائِدِ ونَحْوِها مِن أُصُولِ الدِّينِ، وما أُلْحِقَ بِها.

وشَمَلَ قَوْلُهُ (يَخْتَلِفُونَ) كُلَّ مَعانِي المُحاسَبَةِ عَلى الحُقُوقِ؛ لِأنَّ تَمْيِيزَ الحُقُوقِ مِنَ المَظالِمِ كُلَّهُ مَحَلُّ اخْتِلافِ النّاسِ وتَنازُعِهِمْ.

وعَطَفَ عَلى هَذِهِ الحِكْمَةِ العامَّةِ حِكْمَةً فَرْعِيَّةً خاصَّةً بِالمَرْدُودِ عَلَيْهِمْ هُنا، وهي حُصُولُ العِلْمِ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِأنَّهم كانُوا كاذِبِينَ فِيما اخْتَرَعُوهُ مِنَ الشِّرْكِ، وتَحْرِيمِ الأشْياءِ، وإنْكارِ البَعْثِ.

وفِي حُصُولِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ يَوْمَ البَعْثِ مَثارٌ لِلنَّدامَةِ والتَّحَسُّرِ عَلى ما فَرَطَ مِنهم مَن إنْكارِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ حِكْمَةِ الجَزاءِ في يَوْمِ البَعْثِ في أوَّلِ سُورَةِ يُونُسَ.

وكانُوا كاذِبِينَ أقْوى في الوَصْفِ بِالكَذِبِ مِن (كَذَّبُوا أوْ كاذِبُونَ)، لِما تَدُلُّ عَلَيْهِ (كانَ) مِنَ الوُجُودِ زِيادَةً عَلى ما يَقْتَضِيهِ اسْمُ الفاعِلِ مِن الِاتِّصافِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: وُجِدَ كَذِبُهم ووُصِفُوا بِهِ، وكَذِبُهم يَسْتَلْزِمُ أنَّهم مُعَذَّبُونَ عُقُوبَةً عَلى كَذِبِهِمْ، فَفِيهِ شَتْمٌ صَرِيحٌ وتَعْرِيضٌ بِالعِقابِ.