Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وإذا بُشِّرَ أحَدُهم بِالأُنْثى ظَلَّ وجْهُهُ مُسْوَدًّا وهْوَ كَظِيمٌ﴾ ﴿يَتَوارى مِنَ القَوْمِ مِن سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أمْ يَدُسُّهُ في التُّرابِ ألا ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾
الواوُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإذا بُشِّرَ أحَدُهم بِالأُنْثى﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ واوَ الحالِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةً، والواوُ اعْتِراضِيَّةٌ اقْتَضى الإطالَةَ بِها أنَّها مِن تَفارِيعِ شِرْكِهِمْ، وهَذا أوْلى مِن أنْ تُجْعَلَ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ ﴿ولَهم ما يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: ٥٧] الَّتِي هي في مَوْضِعِ الحالِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يُفِيتُ قَصْدَها بِالعَدِّ، وهَذا القَصْدُ مِن مُقْتَضَياتِ المَقامِ، وإنْ كانَ مَآلُ الِاعْتِبارَيْنِ واحِدًا في حاصِلِ المَعْنى.
صفحة ١٨٤
والتَّعْبِيرُ عَنِ الإعْلامِ بِازْدِيادِ الأُنْثى بِفِعْلِ (بُشِّرَ) في مَوْضِعَيْنِ؛ لِأنَّهُ كَذَلِكَ في نَفْسِ الأمْرِ إذِ ازْدِيادُ المَوْلُودِ نِعْمَةٌ عَلى الوالِدِ لِما يَتَرَقَّبُهُ مِنَ التَّأنُّسِ بِهِ، ومِزاحِهِ، والِانْتِفاعِ بِخِدْمَتِهِ، وإعانَتِهِ عِنْدَ الِاحْتِياجِ إلَيْهِ، ولِما فِيهِ مِن تَكْثِيرِ نَسْلِ القَبِيلَةِ المُوجِبِ عِزَّتَها، وآصِرَةِ الصِّهْرِ، ثُمَّ إنَّ هَذا مَعَ كَوْنِهِ بِشارَةً في نَفْسِ الأمْرِ فالتَّعْبِيرُ بِهِ يُفِيدُ تَعْرِيضًا بِالتَّهَكُّمِ بِهِمْ إذْ يَعُدُّونَ البِشارَةَ مُصِيبَةً، وذَلِكَ مِن تَحْرِيفِهِمُ الحَقائِقَ، والتَّعْرِيضُ مِن أقْسامِ الكِنايَةِ، والكِنايَةُ تُجامِعُ الحَقِيقَةَ.والباءُ في بِالأُنْثى لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ البِشارَةِ، وعُلِّقَتْ بِذاتِ الأُنْثى، والمُرادُ: بِوِلادَتِها، فَهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ مَعْلُومٍ.
وفِعْلُ (ظَلَّ) مِن أفْعالِ الكَوْنِ أخَواتِ (كانَ) الَّتِي تَدُلُّ عَلى اتِّصافِ فاعِلِها بِحالَةٍ لازِمَةٍ، فَلِذَلِكَ تَقْتَضِي فاعِلًا مَرْفُوعًا يُدْعى اسْمًا وحالًا لازِمًا لَهُ مَنصُوبًا يُدْعى خَبَرًا؛ لِأنَّهُ شَبِيهٌ بِخَبَرِ المُبْتَدَأِ، وسَمّاها النُّحاةُ لِذَلِكَ نَواسِخَ؛ لِأنَّها تَعْمَلُ فِيما لَوْلاها لَكانَ مُبْتَدَأً وخَبَرًا فَلَمّا تَغَيَّرَ مَعَها حُكْمُ الخَبَرِ سُمِّيَتْ ناسِخَةً لِرَفْعِهِ، كَما سُمِّيَتْ (إنَّ) وأخَواتُها و(ظَنَّ) وأخَواتُها كَذَلِكَ، وهو اصْطِلاحٌ تَقْرِيبِيٌّ، ولَيْسَ بِرَشِيقٍ.
ويُسْتَعْمَلُ ظَلَّ بِمَعْنى صارَ، وهو المُرادُ هُنا.
واسْوِدادُ الوَجْهِ: مُسْتَعْمَلٌ في لَوْنِ وجْهِ الكَئِيبِ إذْ تَرْهَقُهُ غَبَرَةٌ، فَشُبِّهَتْ بِالسَّوادِ مُبالَغَةً.
والكَظِيمُ: الغَضْبانُ المَمْلُوءُ حَنَقًا، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى (فَهو كَظِيمٌ) في سُورَةِ يُوسُفَ، أيْ أصْبَحَ حَنِقًا عَلى امْرَأتِهِ، وهَذا مِن جاهِلِيَّتِهِمُ الجَهْلاءِ وظُلْمِهِمْ، إذْ يُعامِلُونَ المَرْأةَ مُعامَلَةَ مَن لَوْ كانَتْ وِلادَةُ الذُّكُورِ بِاخْتِيارِها، ولِماذا لا يَحْنَقُ عَلى نَفْسِهِ إذْ يُلَقِّحُ امْرَأتَهُ بِأُنْثى، قالَتْ إحْدى نِسائِهِمْ، أنْشَدَهُ الأصْمَعِيُّ تَذْكُرُ بَعْلَها، وقَدْ هَجَرَها؛ لِأنَّها تَلِدُ البَناتِ:
صفحة ١٨٥
يَغْضَبُ إنْ لَمْ نَلِدِ البَنِينَـا وإنَّما نُعْطِي الَّذِي أُعْطِينا
والتَّوارِي: الِاخْتِفاءُ، مُضارِعُ واراهُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الوَراءِ، وهو جِهَةُ الخَلْفِ، و(مِن) في قَوْلِهِ تَعالى ﴿مِن سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ﴾ لِلِابْتِداءِ المَجازِيِّ المُفِيدِ مَعْنى التَّعْلِيلِ؛ لِأنَّهُ يُقالُ: فَعَلْتُ كَذا مِن أجْلِ كَذا، قالَ تَعالى ﴿ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكم مِن إمْلاقٍ﴾ [الأنعام: ١٥١]، أيْ يَتَوارى مِن أجْلِ تِلْكَ البِشارَةِ.وجُمْلَةُ (أيُمْسِكُهُ) بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ يَتَوارى؛ لِأنَّهُ يَتَوارى حَياءً مِنَ النّاسِ، فَيَبْقى مُتَوارِيًا مِن قَوْمِهِ حَتّى تُنْسى قَضِيَّتُهُ، هو مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى (أيُمْسِكُهُ) إلَخْ، أيْ يَتَوارى يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أحَدِ هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ بِحَيْثُ يَقُولُ في نَفْسِهِ: أأُمْسِكُهُ عَلى هَوْنٍ أمْ أدُسُّهُ في التُّرابِ ؟ والمُرادُ: التَّرَدُّدُ في جَوابِ هَذا الِاسْتِفْهامِ.
والهُونُ: الذُّلُّ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فاليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الهُونِ﴾ [الأحقاف: ٢٠] في سُورَةِ الأنْعامِ.
والدَّسُّ: إخْفاءُ الشَّيْءِ بَيْنَ أجْزاءِ شَيْءٍ آخَرَ كالدَّفْنِ، والمُرادُ: الدَّفْنُ في الأرْضِ وهو الوَأْدُ، وكانُوا يَئِدُونَ بَناتِهِمْ، بَعْضُهم يَئِدُ بِحِدْثانِ الوِلادَةِ، وبَعْضُهم يَئِدُ إذا يَفَعَتِ الأُنْثى، ومَشَتْ، وتَكَلَّمَتْ، أيْ حِينَ تَظْهَرُ لِلنّاسِ لا يُمْكِنُ إخْفاؤُها، وذَلِكَ مِن أفْظَعِ أعْمالِ الجاهِلِيَّةِ، وكانُوا مُتَمالِئِينَ عَلَيْهِ، ويَحْسَبُونَهُ حَقًّا لِلْأبِ فَلا يُنْكِرُها الجَماعَةُ عَلى الفاعِلِ.
ولِذَلِكَ سَمّاهُ اللَّهُ حُكْمًا بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿ألا ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾، وأعْلَنَ ذَمُّهُ بِحَرْفِ (ألا)؛ لِأنَّهُ جَوْرٌ عَظِيمٌ قَدْ تَمالَأُوا عَلَيْهِ، وخَوَّلُوهُ لِلنّاسِ ظُلْمًا لِلْمَخْلُوقاتِ، فَأُسْنِدَ إلى ضَمِيرِ الجَماعَةِ مَعَ أنَّ الكَلامَ كانَ جارِيًا عَلى فِعْلٍ واحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ قَضاءً لِحَقِّ هَذِهِ النُّكْتَةِ.