﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾ تَذْيِيلٌ هو فَذْلَكَةٌ لِاخْتِلافِ أحْوالِ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، فَإنَّ خُلاصَةَ أسْبابِ الفَوْزِ تَرْكُ الشِّرْكِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ هو مَبْدَأُ الإقْبالِ عَلى العَمَلِ الصّالِحِ فَهو أوَّلُ خُطُواتِ السَّعْيِ لِمُرِيدِ الآخِرَةِ؛ لِأنَّ الشِّرْكَ قاعِدَةُ اخْتِلالِ التَّفْكِيرِ وتَضْلِيلِ العُقُولِ، قالَ اللَّهُ تَعالى في ذِكْرِ آلِهَةِ المُشْرِكِينَ ﴿وما زادُوهم غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [هود: ١٠١] .

والخِطابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ تَبَعٌ لِخِطابِ قَوْلِهِ ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ﴾ [الإسراء: ٢١]، والمَقْصُودُ إسْماعُ الخِطابِ غَيْرَهُ بِقَرِينَةٍ تُحَقِّقُ أنَّ النَّبِيءَ قائِمٌ بِنَبْذِ الشِّرْكِ، ومَنحٍ عَلى الَّذِينَ يَعْبُدُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ.

وتَقْعُدَ مُسْتَعارٌ لِمَعْنى المُكْثِ والدَّوامِ، أُرِيدَ بِهَذِهِ الِاسْتِعارَةِ تَجْرِيدُ مَعْنى النَّهْيِ إلى أنَّهُ نَهْيُ تَعْرِيضٍ بِالمُشْرِكِينَ؛ لِأنَّهم مُتَلَبِّسُونَ بِالذَّمِّ والخِذْلانِ، فَإنْ لَمْ يُقْلِعُوا عَنِ الشِّرْكِ دامُوا في الذَّمِّ والخِذْلانِ.

والمَذْمُومُ: المَذْكُورُ بِالسُّوءِ والعَيْبِ.

والمَخْذُولُ: الَّذِي أسْلَمَهُ ناصِرُهُ.

فَأمّا ذَمُّهُ فَمِن ذَوِي العُقُولِ، إذْ أعْظَمُ سُخْرِيَةً أنْ يَتَّخِذَ المَرْءُ حَجَرًا أوْ عُودًا رَبًّا لَهُ، ويَعْبُدَهُ، كَما قالَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿أتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ﴾ [الصافات: ٩٥]، وذَمَّهُ مِنَ اللَّهِ عَلى لِسانِ الشَّرائِعِ.

صفحة ٦٥

وأمّا خِذْلانُهُ فَلِأنَّهُ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ ولِيًّا لا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا ﴿إنْ تَدْعُوهم لا يَسْمَعُوا دُعاءَكم ولَوْ سَمِعُوا ما اسْتَجابُوا لَكُمْ﴾ [فاطر: ١٤]، وقالَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿يا أبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٤٢]، وخِذْلانُهُ مِنَ اللَّهِ؛ لِأنَّهُ لا يَتَوَلّى مَن لا يَتَوَلّاهُ قالَ ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ مَوْلى الَّذِينَ آمَنُوا وأنَّ الكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ﴾ [محمد: ١١] وقالَ ﴿وما دُعاءُ الكافِرِينَ إلّا في ضَلالٍ﴾ [الرعد: ١٤] .