﴿ولا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أشُدَّهُ﴾

هَذا مِن أهَمِّ الوَصايا الَّتِي أوْصى اللَّهُ بِها في هَذِهِ الآياتِ؛ لِأنَّ العَرَبَ في الجاهِلِيَّةِ كانُوا يَسْتَحِلُّونَ أمْوالَ اليَتامى لِضَعْفِهِمْ عَنِ التَّفَطُّنِ لِمَن يَأْكُلُ أمْوالَهم، وقِلَّةِ نَصِيرِهِمْ؛ لِإيصالِ حُقُوقِهِمْ، فَحَذَّرَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ مِن ذَلِكَ لِإزالَةِ ما عَسى أنْ يَبْقى في نُفُوسِهِمْ مِن أثَرٍ مِن تِلْكَ الجاهِلِيَّةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في نَظِيرِ هَذِهِ الآيَةِ في سُورَةِ الأنْعامِ، وهَذِهِ الوَصِيَّةُ العاشِرَةُ.

والقَوْلُ في الإتْيانِ بِضَمِيرِ الجَماعَةِ المُخاطَبِينَ كالقَوْلِ في سابِقِيهِ؛ لِأنَّ المَنهِيَّ عَنْهُ مِن أحْوالِ أهْلِ الجاهِلِيَّةِ.

* * *

صفحة ٩٧

﴿وأوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولًا﴾ أُمِرُوا بِالوَفاءِ بِالعَهْدِ، والتَّعْرِيفُ في العَهْدِ لِلْجِنْسِ المُفِيدِ لِلِاسْتِغْراقٍ يَشْمَلُ العَهْدَ الَّذِي عاهَدُوا عَلَيْهِ النَّبِيءَ، وهو البَيْعَةُ عَلى الإيمانِ والنَّصْرِ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وأوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذا عاهَدْتُمْ﴾ [النحل: ٩١] في سُورَةِ النَّحْلِ وقَوْلِهِ ﴿وبِعَهْدِ اللَّهِ أوْفُوا﴾ [الأنعام: ١٥٢] في سُورَةِ الأنْعامِ.

وهَذا التَّشْرِيعُ مِن أُصُولِ حُرْمَةِ الأُمَّةِ في نَظَرِ الأُمَمِ، والثِّقَةِ بِها لِلِانْزِواءِ تَحْتَ سُلْطانِها، وقَدْ مَضى القَوْلُ فِيهِ في سُورَةِ الأنْعامِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى الَّتِي قَبْلَها، وهي مِن عِدادِ ما وقَعَ بَعْدَ أنِ التَّفْسِيرِيَّةِ مِن قَوْلِهِ ﴿ألّا تَعْبُدُوا﴾ [الإسراء: ٢٣] الآياتِ، وهي الوَصِيَّةُ الحادِيَةَ عَشْرَةَ.

وجُمْلَةُ ﴿إنَّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولًا﴾ تَعْلِيلٌ لِلْأمْرِ، أيْ لِلْإيجابِ الَّذِي اقْتَضاهُ، وإعادَةُ لَفْظِ العَهْدِ في مَقامِ إضْمارِهِ لِلِاهْتِمامِ بِهِ، ولِتَكُونَ هَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً فَتَسْرِي مَسْرى المَثَلِ.

وحُذِفَ مُتَعَلِّقُ مَسْئُولًا لِظُهُورِهِ، أيْ مَسْئُولًا عَنْهُ، أيْ يَسْألُكُمُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ.