﴿يا أبَتِ إنِّي أخافُ أنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ ولِيًّا﴾

لا جَرَمَ أنَّهُ لَمّا قَرَّرَ أنَّ عِبادَتَهُ الأصْنامَ اتِّباعٌ لِأمْرِ الشَّيْطانِ عَصِيِّ الرَّحْمَنِ انْتَقَلَ إلى تَوَقُّعِ حِرْمانِهِ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ بِأنْ يَحُلَّ بِهِ عَذابٌ مِنَ اللَّهِ، فَحَذَّرَهُ مِن عاقِبَةِ أنْ يَصِيرَ مِن أوْلِياءِ الشَّيْطانِ الَّذِينَ لا يَخْتَلِفُ البَشَرُ في مَذَمَّتِهِمْ وسُوءِ عاقِبَتِهِمْ، ولَكِنَّهم يَنْدَمِجُونَ فِيهِمْ عَنْ ضَلالٍ بِمَآلِ حالِهِمْ.

ولِلْإشارَةِ إلى أنَّ أصْلَ حُلُولِ العَذابِ بِمَن يَحُلُّ بِهِ هو الحِرْمانُ مِنَ الرَّحْمَةِ في تِلْكَ الحالَةِ - عَبَّرَ عَنِ الجَلالَةِ بِوَصْفِ الرَّحْمَنِ لِلْإشارَةِ إلى

صفحة ١١٨

أنَّ حُلُولَ العَذابِ مِمَّنْ شَأْنُهُ أنْ يَرْحَمَ إنَّما يَكُونُ لِفَظاعَةِ جُرْمِهِ إلى حَدِّ أنْ يُحْرِمَهُ مِن رَحْمَتِهِ مَن شَأْنُهُ سَعَةُ الرَّحْمَةِ.

والوَلِيُّ: الصّاحِبُ والتّابِعُ ومَن حالُهُما حالٌ واحِدَةٌ وأمْرُهُما جَمِيعٌ، فَكُنِّيَ بِالوِلايَةِ عَنِ المُقارَنَةِ في المَصِيرِ.

والتَّعْبِيرُ بِالخَوْفِ الدّالِّ عَلى الظَّنِّ دُونَ القَطْعِ تَأدُّبٌ مَعَ اللَّهِ تَعالى بِأنْ لا يُثْبِتَ أمْرًا فِيما هو مِن تَصَرُّفِ اللَّهِ، وإبْقاءً لِلرَّجاءِ في نَفْسِ أبِيهِ لِيَنْظُرَ في التَّخَلُّصِ مِن ذَلِكَ العَذابِ بِالإقْلاعِ عَنْ عِبادَةِ الأوْثانِ. ومَعْنى ﴿فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ ولِيًّا﴾ فَتَكُونَ في اتِّباعِ الشَّيْطانِ في العَذابِ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى يا أبَتِ قَرِيبًا.