Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿قُلْ مَن يَكْلَؤُكم بِاللَّيْلِ والنَّهارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هم عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ ﴿أمْ لَهم آلِهَةٌ تَمْنَعُهم مِن دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أنْفُسِهِمْ ولا هم مِنّا يُصْحَبُونَ﴾ ﴿بَلْ مَتَّعْنا هَؤُلاءِ وآباءَهم حَتّى طالَ عَلَيْهِمُ العُمُرُ﴾ [الأنبياء: ٤٤]
بَعْدَ أنْ سُلِّيَ الرَّسُولُ ﷺ عَلى اسْتِهْزائِهِمْ بِالوَعِيدِ أُمِرَ أنْ يُذَكِّرَهم بِأنَّ غُرُورَهم بِالإمْهالِ مِن قِبَلِ اللَّهِ رَحْمَةً مِنهُ بِهِمْ كَشَأْنِهِ في الرَّحْمَةِ بِمَخْلُوقاتِهِ - بِأنَّهم إذا نَزَلَ بِهِمْ عَذابُهُ لا يَجِدُونَ حافِظًا لَهم مِنَ العَذابِ غَيْرَهُ ولا تَمْنَعُهم مِنهُ آلِهَتُهم، والِاسْتِفْهامُ إنْكارٌ وتَقْرِيعٌ، أيْ لا يَكْلَؤُكم مِنهُ أحَدٌ، فَكَيْفَ تَجْهَلُونَ ذَلِكَ، تَنْبِيهًا لَهم إذْ نَسُوا نِعَمَهُ.
وذِكْرُ اللَّيْلِ والنَّهارِ لِاسْتِيعابِ الأزْمِنَةِ، كَأنَّهُ قِيلَ: مَن يَكْلَؤُكم في جَمِيعِ الأوْقاتِ،
صفحة ٧٤
وقُدِّمَ اللَّيْلُ لِأنَّهُ زَمَنُ المَخاوِفِ؛ لِأنَّ الظَّلامَ يُعِينُ أسْبابَ الضُّرِّ عَلى الوُصُولِ إلى مُبْتَغاها مِن إنْسانٍ وحَيَوانٍ وعِلَلِ الأجْسامِ.وذِكْرُ النَّهارِ بَعْدَهُ لِلِاسْتِيعابِ.
ومَعْنى ”مِنَ الرَّحْمَنِ“ مِن بَأْسِهِ وعَذابِهِ، وجِيءَ بَعْدَ هَذا التَّفْرِيعِ بِإضْراباتٍ ثَلاثَةٍ انْتِقالِيَّةٍ عَلى سَبِيلِ التَّدْرِيجِ الَّذِي هو شَأْنُ الإضْرابِ.
فالإضْرابُ الأوَّلُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ هم عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾، وهو ارْتِقاءٌ مِنَ التَّقْرِيعِ المَجْعُولِ لِلْإصْلاحِ إلى التَّأْيِيسِ مِن صَلاحِهِمْ بِأنَّهم عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ، فَلا يُرْجى مِنهُمُ الِانْتِفاعُ بِالقَوارِعِ، أيْ أخِّرِ السُّؤالَ والتَّقْرِيعَ واتْرُكْهم حَتّى إذا تَوَرَّطُوا في العَذابِ عَرَفُوا أنْ لا كالِئَ لَهم.
ثُمَّ أضْرَبَ إضْرابًا ثانِيًا بِـ ”أمْ“ المُنْقَطِعَةِ الَّتِي هي أُخْتُ ”بَلْ“ مَعَ دَلالَتِها عَلى الِاسْتِفْهامِ؛ لِقَصْدِ التَّقْرِيعِ، فَقالَ: ﴿أمْ لَهم آلِهَةٌ تَمْنَعُهم مِن دُونِنا﴾، أيْ بَلْ ألَهُمَ آلِهَةٌ، والِاسْتِفْهامُ إنْكارٌ وتَقْرِيعٌ، أيْ ما لَهم آلِهَةٌ مانِعَةٌ لَهم مِن دُونِنا، وهَذا إبْطالٌ لِمُعْتَقَدِهِمْ أنَّهُمُ اتَّخَذُوا الأصْنامَ شُفَعاءَ. وجُمْلَةُ ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أنْفُسِهِمْ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ مُعْتَرِضَةٌ. وضَمِيرُ ”يَسْتَطِيعُونَ“ عائِدٌ إلى آلِهَةٍ أُجْرِيَ عَلَيْهِمْ ضَمِيرُ العُقَلاءِ مُجاراةً لِما يُجْرِيهِ العَرَبُ في كَلامِهِمْ. والمَعْنى: كَيْفَ يَنْصُرُونَهم وهم لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أنْفُسِهِمْ، ولا هم مُؤَيَّدُونَ مِنَ اللَّهِ بِالقَبُولِ.
ثُمَّ أضْرَبَ إضْرابًا ثالِثًا انْتَقَلَ بِهِ إلى كَشْفِ سَبَبِ غُرُورِهِمُ الَّذِي مِن جَهْلِهِمْ بِهِ حَسِبُوا أنْفُسَهم آمِنِينَ مِن أخْذِ اللَّهِ إيّاهم بِالعَذابِ فَجَرَّأهم
صفحة ٧٥
ذَلِكَ عَلى الِاسْتِهْزاءِ بِالوَعِيدِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ مَتَّعْنا هَؤُلاءِ وآباءَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٤٤]، أيْ فَما هم مُسْتَمِرُّونَ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ إنَّما هو تَمْتِيعٌ وإمْهالٌ كَما مَتَّعْنا آباءَهم مِن قَبْلُ، وكَما كانَ لِآبائِهِمْ آجالٌ انْتَهَوْا إلَيْها كَذَلِكَ يَكُونُ لِهَؤُلاءِ، ولَكِنَّ الآجالَ تَخْتَلِفُ بِحَسْبِ ما عَلِمَ اللَّهُ مِنَ الحِكْمَةِ في مَداها حَتّى طالَتْ أعْمارُ آياتِهِمْ. وهَذا تَعْرِيضٌ بِأنَّ أعْمارَ هَؤُلاءِ لا تَبْلُغُ أعْمارَ آبائِهِمْ، وأنَّ اللَّهَ يُحِلُّ بِهِمُ الهَلاكَ لِتَكْذِيبِهِمْ إلى أمَدٍ عَلِمَهُ.وقَدْ وُجِّهَ الخِطابُ إلَيْهِمُ ابْتِداءً بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ مَن يَكْلَؤُكُمْ﴾، ثُمَّ أعْرَضَ عَنْهم مِن طَرِيقِ الخِطابِ إلى طَرِيقِ الغَيْبَةِ؛ لِأنَّ ما وُجِّهَ إلَيْهِمْ مِن إنْكارِ أنْ يَكْلَأهم أحَدٌ مِن عَذابِ اللَّهِ جَعَلَهم أحْرِياءَ بِالإعْراضِ عَنْهم كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكم في البَرِّ والبَحْرِ حَتّى إذا كُنْتُمْ في الفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وفَرِحُوا بِها﴾ [يونس: ٢٢] الآيَةَ في سُورَةِ يُونُسَ.
و”يُصْحَبُونَ“ إمّا مُضارِعُ صَحِبَهُ إذا خالَطَهُ ولازَمَهُ، والصُّحْبَةُ تَقْتَضِي النَّصْرَ والتَّأْيِيدَ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ الفاعِلُ الَّذِي نابَ عَنْهُ مَن أُسْنِدَ إلَيْهِ الفِعْلُ المَبْنِيُّ لِلنّائِبِ مُرادًا بِهِ اللَّهُ تَعالى، أيْ لا يَصْحَبُهُمُ اللَّهُ، أيْ لا يُؤَيِّدُهُمْ؛ فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى ”مِنّا“ مُتَعَلِّقًا بِـ ”يُصْحَبُونَ“ عَلى مَعْنى ”مِن“ الِاتِّصالِيَّةِ، أيْ صُحْبَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِنا بِمَعْنى صُحْبَةٍ مَتِينَةٍ. وهَذا نَفْيٌ لِما اعْتَقَدَهُ المُشْرِكُونَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿ما نَعْبُدُهم إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى﴾ [الزمر: ٣] . ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الفاعِلُ المَحْذُوفُ مَحْذُوفًا لِقَصْدِ العُمُومِ، أيْ لا يَصْحَبُهم صاحِبٌ، أيْ لا يُجِيرُهم جارٌ، فَإنَّ الجِوارَ يَقْتَضِي حِمايَةَ الجارِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى ”مِنّا“ مُتَعَلِّقًا بِـ ”يُصْحَبُونَ“ عَلى مَعْنى ”مِن“ الَّتِي بِمَعْنى ”عَلى“، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَن يَنْصُرُنا مِن بَأْسِ اللَّهِ إنْ جاءَنا﴾ [غافر: ٢٩] وإمّا مُضارِعٌ أصْحَبَهُ المَهْمُوزُ بِمَعْنى حِفْظَهُ ومَنعِهِ، أيْ مِنَ السُّوءِ. والإشارَةُ بِـ ”هَؤُلاءِ“ لِحاضِرِينَ في الأذْهانِ وهم كُفّارُ قُرَيْشٍ.
صفحة ٧٦
وقَدِ اسْتَقْرَبْتُ أنَّ القُرْآنَ إذا ذُكِرَتْ فِيهِ هَذِهِ الإشارَةُ دُونَ وُجُودِ مُشارٍ إلَيْهِ في الكَلامِ فَهو يَعْنِي بِها كُفّارَ قُرَيْشٍ.