﴿ولَوْ رَحِمْناهم وكَشَفْنا ما بِهِمْ مِن ضُرٍّ لَلَجُّوا في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿حَتّى إذا أخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالعَذابِ إذا هم يَجْأرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٤] وما بَيْنَهُما اعْتِراضاتٌ بِاسْتِدْلالٍ عَلَيْهِمْ وتَنْدِيمٍ وقَطْعٍ لِمَعاذِيرِهِمْ، أيْ: لَيْسُوا بِحَيْثُ لَوِ اسْتَجابَ اللَّهُ جُؤارَهم عِنْدَ نُزُولِ العَذابِ بِهِمْ وكَشَفَ عَنْهُمُ العَذابَ لَعادُوا إلى ما كانُوا فِيهِ مِنَ الغَمْرَةِ والأعْمالِ السَّيِّئَةِ؛ لِأنَّها صارَتْ سَجِيَّةً لَهم لا تَتَخَلَّفُ عَنْهم. وهَذا في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا كاشِفُوا العَذابِ قَلِيلًا إنَّكم عائِدُونَ﴾ [الدخان: ١٥] .

و(لَوْ) هُنا داخِلَةٌ عَلى الفِعْلِ الماضِي المُرادِ مِنهُ: الِاسْتِقْبالُ بِقَرِينَةِ المَقامِ إذِ المَقامُ لِلْإنْذارِ والتَّأْيِيسِ مِنَ الإغاثَةِ عِنْدَ نُزُولِ العَذابِ المَوْعُودِ بِهِ، ولَيْسَ مَقامَ اعْتِذارٍ مِنَ اللَّهِ عَنْ عَدَمِ اسْتِجابَتِهِ لَهم أوْ عَنْ إمْساكِ رَحْمَتِهِ عَنْهم لِظُهُورِ أنَّ ذَلِكَ لا يُناسِبُ مَقامَ الوَعِيدِ والتَّهْدِيدِ. وأمّا مَجِيءُ هَذا الفِعْلِ بِصِيغَةِ المُضِيِّ فَذَلِكَ مُراعاةً لِما شاعَ في الكَلامِ مِن مُقارَنَةِ (لَوْ) لِصِيغَةِ الحاضِرِ؛ لِأنَّ أصْلَها أنْ تَدُلَّ عَلى الِامْتِناعِ في الماضِي ولِذَلِكَ كانَ الأصْلُ عَدَمَ جَزْمِ الفِعْلِ بَعْدَها.

صفحة ١٠٠

واللَّجاجُ بِفَتْحِ اللّامِ: الِاسْتِمْرارُ عَلى الخِصامِ وعَدَمُ الإقْلاعِ عَنْ ذَلِكَ، يُقالُ: لَجَّ يَلِجُّ ويَلَجُّ بِكَسْرِ اللّامِ وفَتْحِها في المُضارِعِ عَلى اخْتِلافِ حَرَكَةِ العَيْنِ في الماضِي.

والطُّغْيانُ: أشَدُّ الكِبْرِ. والعَمَهُ: التَّرَدُّدُ في الضَّلالَةِ. (وفي طُغْيانِهِمْ) مُتَعَلِّقٌ بِـ (يَعْمَهُونَ) قُدِّمَ عَلَيْهِ لِلِاهْتِمامِ بِذِكْرِهِ، ولِلرَّعْيِ عَلى الفاصِلَةِ. و(في) لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ، المُرادُ مِنها مَعْنى السَّبَبِيَّةِ. وتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَمُدُّهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة: ١٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.