﴿وهْوَ الَّذِي ذَرَأكم في الأرْضِ وإلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾

صفحة ١٠٥

هُوَ عَلى شاكِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ الَّذِي أنْشَأ لَكُمُ السَّمْعَ والأبْصارَ﴾ [المؤمنون: ٧٨] .

والذَّرْءُ: البَثُّ. وتَقَدَّمَ في سُورَةِ الأنْعامِ. وهَذا امْتِنانٌ بِنِعْمَةِ الإيجادِ والحَياةِ وتَيْسِيرِ التَّمَكُّنِ مِنَ الأرْضِ وإكْثارِ النَّوْعِ؛ لِأنَّ الذَّرْءَ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ كُلَّهُ. وهَذا اسْتِدْلالٌ آخَرُ عَلى انْفِرادِ اللَّهِ تَعالى بِالإلَهِيَّةِ إذْ قَدْ عَلِمُوا أنَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ في الخَلْقِ فَكَيْفَ يُشْرِكُونَ مَعَهُ في الإلَهِيَّةِ أصْنافًا هم يَعْلَمُونَ أنَّها لا تَخْلُقُ شَيْئًا، وهو أيْضًا اسْتِدْلالٌ عَلى البَعْثِ؛ لِأنَّ الَّذِي أحْيا النّاسَ عَنْ عَدَمٍ قادِرٌ عَلى إعادَةِ إحْيائِهِمْ بَعْدَ تَقَطُّعِ أوْصالِهِمْ.

وقُوبِلَ الذَّرْءُ بِضِدِّهِ وهو الحَشْرُ والجَمْعُ، فَإنَّ الحَشْرَ يَجْمَعُ كُلَّ مَن كانَ عَلى الأرْضِ مِنَ البَشَرِ، وفِيهِ مُحَسِّنُ الطِّباقِ.

والمَقْصُودُ مِن هَذِهِ المُقابَلَةِ الرَّدُّ عَلى مُنْكِرِي البَعْثِ، فَتَقْدِيمُ المَجْرُورِ في إلَيْهِ تُحْشَرُونَ تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ بِأنَّهم مَحْشُورُونَ إلى اللَّهِ فَهو يُجازِيهِمْ.