﴿طسم﴾ .

يَأْتِي في تَفْسِيرِهِ مِنَ التَّأْوِيلاتِ ما سَبَقَ ذِكْرُهُ في جَمِيعِ الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ في أوائِلِ السُّورِ في مَعانٍ مُتَماثِلَةٍ. وأظْهَرُ تِلْكَ المَعانِي أنَّ المَقْصُودَ التَّعْرِيضُ بِإلْهابِ نُفُوسِ المُنْكِرِينَ لِمُعارَضَةِ بَعْضِ سُوَرِ القُرْآنِ بِالإتْيانِ بِمِثْلِهِ في بَلاغَتِهِ وفَصاحَتِهِ وتَحَدِّيهِمْ بِذَلِكَ والتَّوَرُّكُ عَلَيْهِمْ بِعَجْزِهِمْ عَنْ ذَلِكَ.

وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ ﴿طسم﴾ قَسَمٌ، وهو اسْمٌ مِن أسْماءِ اللَّهِ تَعالى، والمُقْسَمَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (﴿إنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً﴾ [الشعراء: ٤]) . فَقالَ القُرَظِيُّ: أقْسَمَ اللَّهُ بِطُولِهِ وسَنائِهِ ومُلْكِهِ. وقِيلَ: الحُرُوفُ مُقْتَضَبَةٌ مِن أسْماءِ اللَّهِ تَعالى ذِي الطَّوْلِ، القُدُّوسِ، المَلِكِ. وقَدْ عَلِمْتَ في أوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ أنَّها حُرُوفٌ لِلتَّهَجِّي واسْتِقْصاءٌ في

صفحة ٩٢

التَّحَدِّي يُعْجِزُهم عَنْ مُعاَرَضَةِ القُرْآنِ، وعَلَيْهِ تَظْهَرُ مُناسَبَةُ تَعْقِيبِهِ بِآيَةِ (﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ﴾ [الشعراء: ٢]) .

والجُمْهُورُ قَرَءُوا (طسم) كَلِمَةً واحِدَةً، وأدْغَمُوا النُّونَ مِن سِينٍ في المِيمِ وقَرَأ حَمْزَةُ بِإظْهارِ النُّونِ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ حُرُوفًا مُفَكَّكَةً، وقالُوا: وكَذَلِكَ هي مَرْسُومَةٌ في مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ حُرُوفًا مُفَكَّكَةً (ط س م) .

والقَوْلُ في عَدَمِ مَدِّ اسْمِ (طا) مَعَ أنَّ أصْلَهُ مَهْمُوزُ الآخَرِ؛ لِأنَّهُ لَمّا كانَ قَدْ عَرَضَ لَهُ سُكُونُ السَّكْتِ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ كَما تُحْذَفُ لِلْوُقُوفِ، كَما في عَدَمِ مَدِّ (را) في الر في سُورَةِ يُونُسَ.