Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿فَأخْرَجْناهم مِن جَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ ﴿وكُنُوزٍ ومَقامٍ كَرِيمٍ﴾ ﴿كَذَلِكَ وأوْرَثْناها بَنِي إسْرائِيلَ﴾ ﴿فَأتْبَعُوهم مُشْرِقِينَ﴾ .
إنْ جَرَيْتَ عَلى ما فَسَّرَ بِهِ المُفَسِّرُونَ قَوْلَهُ: ﴿فَأرْسَلَ فِرْعَوْنُ في المَدائِنِ حاشِرِينَ﴾ [الشعراء: ٥٣] لَزِمَكَ أنْ تَجْعَلَ الفاءَ في قَوْلِهِ: (فَأخْرَجْناهم) لِتَفْرِيعِ الخُرُوجِ عَلى إرْسالِ الحاشِرِينَ، أيْ: ابْتَدَأ بِإرْسالِ الحاشِرِينَ وأعْقَبَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ، فالتَّعْقِيبُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الفاءُ بِحَسَبِ ما يُناسِبُ المُدَّةَ الَّتِي بَيْنَ إرْسالِ الحاشِرِينَ وبَيْنَ وُصُولِ الأنْبِياءِ مِن أطْرافِ المَمْلَكَةِ بِتَعْيِينِ طَرِيقِ بَنِي إسْرائِيلَ؛ إذْ لا يَخْرُجُ فِرْعَوْنُ بِجُنْدِهِ عَلى وجْهِهِ، غَيْرَ عالِمٍ بِطَرِيقِهِمْ. وضَمِيرُ النَّصْبِ عائِدٌ إلى فِرْعَوْنَ ومَن مَعَهُ مَفْهُومًا مِن قَوْلِهِ: (إنَّكم مُتَّبَعُونَ) .
وإنْ جَرَيْتَ عَلى ما فَسَّرْنا بِهِ قَوْلَهُ تَعالى: (﴿فَأرْسَلَ فِرْعَوْنُ﴾ [الشعراء: ٥٣]) ولا أخالُكَ إلّا مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ لِاخْتِيارِ ذَلِكَ، فَلْتَجْعَلِ الفاءَ في (فَأخْرَجْناهم) تَفْرِيعًا عَلى جُمْلَةِ (﴿إنَّكم مُتَّبَعُونَ﴾ [الشعراء: ٥٢]) . والتَّقْدِيرُ: فَأسْرى مُوسى بِبَنِي إسْرائِيلَ فَأخْرَجْنا فِرْعَوْنَ وجُنْدَهُ مِن بِلادِهِمْ في طَلَبِ بَنِي إسْرائِيلَ فاتَّبَعُوا بَنِي إسْرائِيلَ.
وضَمِيرُ (أخْرَجْناهم) عَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ عائِدٌ إلى ما يُفْهَمُ مِنَ المَقامِ، أيْ: أخْرَجْنا فِرْعَوْنَ وجُنْدَهُ. والجَنّاتُ: جَنّاتُ النَّخِيلِ الَّتِي كانَتْ عَلى ضِفافِ النِّيلِ. والعُيُونُ: مَنابِعُ تُحْفَرُ عَلى خِلْجانِ النِّيلِ. والكُنُوزُ: الأمْوالُ المُدَّخَرَةُ.
والمَقامُ: أصْلُهُ مَحَلُّ القِيامِ أوْ مَصْدَرُ قامَ. والمَعْنى عَلى الأوَّلِ: مَساكِنُ كَرِيمَةٌ، وعَلى الثّانِي: قِيامُهم في مُجْتَمَعِهِمْ، والكَرِيمُ: النَّفِيسُ في نَوْعِهِ. وذَلِكَ ما
صفحة ١٣٣
كانُوا عَلَيْهِ مِنَ الأمْنِ والثَّرْوَةِ والرَّفاهِيَةِ، كُلُّ ذَلِكَ تَرَكَهُ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنهُ لِمُطارَدَةِ بَنِي إسْرائِيلَ؛ لِأنَّهم هَلَكُوا فَلَمْ يَرْجِعُوا إلى شَيْءٍ مِمّا تَرَكُوا.(كَذَلِكَ) تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نَظِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ وقَدْ أحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْرًا﴾ [الكهف: ٩١] في سُورَةِ الكَهْفِ، فَهو بِمَنزِلَةِ الِاعْتِراضِ.
وجُمْلَةُ ﴿وأوْرَثْناها بَنِي إسْرائِيلَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ أيْضًا والواوُ اعْتِراضِيَّةٌ، ولَيْسَتْ عَطْفًا لِأجْزاءِ القِصَّةِ لِما سَتَعْلَمُهُ. والإيراثُ: جَعْلُ أحَدٍ وارِثًا. وأصْلُهُ إعْطاءُ مالِ المَيِّتِ، ويُطْلَقُ عَلى إعْطاءِ ما كانَ مِلْكًا لِغَيْرِ المُعْطى (بِفَتْحِ الطّاءِ) كَما قالَ تَعالى: ﴿وأوْرَثْنا القَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبَها الَّتِي بارَكْنا فِيها﴾ [الأعراف: ١٣٧]، أيْ: أوْرَثْنا بَنِي إسْرائِيلَ أرْضَ الشّامِ، وقالَ: ﴿ثُمَّ أوْرَثْنا الكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِن عِبادِنا﴾ [فاطر: ٣٢] .
والمَعْنى: أنَّ اللَّهَ أرْزَأ أعْداءَ مُوسى ما كانَ لَهم مِن نَعِيمٍ؛ إذْ أهْلَكَهم وأعْطى بَنِي إسْرائِيلَ خَيْراتٍ مِثْلَها لَمْ تَكُنْ لَهم، ولَيْسَ المُرادُ أنَّهُ أعْطى بَنِي إسْرائِيلَ ما كانَ بِيَدِ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ مِنَ الجَنّاتِ والعُيُونِ والكُنُوزِ؛ لِأنَّ بَنِي إسْرائِيلَ فارَقُوا أرْضَ مِصْرَ حِينَئِذٍ وما رَجَعُوا إلَيْها كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ في سُورَةِ الدُّخانِ: ﴿كَذَلِكَ وأوْرَثْناها قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الدخان: ٢٨] . ولا صِحَّةَ لِما يَقُولُهُ بَعْضُ أهْلِ قِصَصِ القُرْآنِ مِن أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ رَجَعُوا فَمَلَكُوا مِصْرَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإنَّ بَنِي إسْرائِيلَ لَمْ يَمْلِكُوا مِصْرَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنها سائِرَ الدَّهْرِ، فَلا مَحِيصَ مِن صَرْفِ الآيَةِ عَنْ ظاهِرِها إلى تَأْوِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ التّارِيخُ ويَدُلُّ عَلَيْهِ ما في سُورَةِ الدُّخانِ.
فَضَمِيرُ (﴿وأوْرَثْناها﴾) هُنا عائِدٌ لِلْأشْياءِ المَعْدُودَةِ بِاعْتِبارِ أنَّها أسْماءُ أجْناسٍ، أيْ: أوْرَثْنا بَنِي إسْرائِيلَ جَنّاتٍ وعُيُونًا وكُنُوزًا، فَعَوْدُ الضَّمِيرِ هُنا إلى لَفْظٍ مُسْتَعْمَلٍ في الجِنْسِ وهو قَرِيبٌ مِنَ الِاسْتِخْدامِ وأقْوى مِنهُ، أيْ: أعْطَيْناهم أشْياءَ ما كانَتْ لَهم مِن قَبْلُ وكانَتْ لِلْكَنْعانِيِّينَ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَنِي إسْرائِيلَ فَغَلَبُوهم عَلى أرْضِ فِلَسْطِينَ والشّامِ. وقَدْ يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلى اللَّفْظِ دُونَ المَعْنى كَما في قَوْلِهِمْ: عِنْدِي دِرْهَمٌ ونِصْفُهُ، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ ولَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وهو يَرِثُها إنْ لَمْ يَكُنْ لَها ولَدٌ﴾ [النساء: ١٧٦]، إذْ لَيْسَ المُرادُ أنَّ المَرْءَ الَّذِي هَلَكَ يَرِثُ أُخْتَهُ الَّتِي لَها نِصْفُ ما تَرَكَ بَلِ المُرادُ: والمَرْءُ يَرِثُ أُخْتًا لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَها ولَدٌ، ويَجُوزُ أنْ
صفحة ١٣٤
يَكُونَ نَصْبُ الضَّمِيرِ لِفِعْلِ (أوْرَثْنا) عَلى مَعْنى التَّشْبِيهِ البَلِيغِ، أيْ: أوْرَثْنا أمْثالَها. وقِيلَ: ضَمِيرُ (أوْرَثْناها) عائِدٌ إلى خُصُوصِ الكُنُوزِ؛ لِأنَّ بَنِي إسْرائِيلَ اسْتَعارُوا لَيْلَةَ خُرُوجِهِمْ مِن جِيرانِهِمُ المِصْرِيِّينَ مَصُوغَهم مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ وخَرَجُوا بِهِ كَما تَقَدَّمَ في سُورَةِ طه.ويَجُوزُ عِنْدِي وجْهٌ آخَرُ وهو أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ (﴿فَأخْرَجْناهم مِن جَنّاتٍ﴾) إلى قَوْلِهِ: (﴿وأوْرَثْناها﴾) حِكايَةً لِكَلامٍ مِنَ اللَّهِ مُعْتَرِضٍ بَيْنَ كَلامِ فِرْعَوْنَ. وضَمِيرُ (﴿فَأخْرَجْناهُمْ﴾) عائِدٌ إلى قَوْمِ فِرْعَوْنَ المَفْهُومِ مِن قَوْلِهِ: (﴿فِي المَدائِنِ﴾ [الشعراء: ٥٣])، أيْ: فَأخْرَجْنا أهْلَ المَدائِنِ. وحُذِفَ المَفْعُولُ الثّانِي لِفِعْلِ (أوْرَثْناها) . والتَّقْدِيرُ: وأوْرَثْناها غَيْرَهم، ويَكُونُ قَوْلُهُ: (بَنِي إسْرائِيلَ) بَيانًا لِاسْمِ الإشارَةِ في قَوْلِهِ: (﴿إنَّ هَؤُلاءِ﴾ [الشعراء: ٥٤]) سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ الإجْمالِ ثُمَّ البَيانِ لِيَقَعَ في أنْفُسِ السّامِعِينَ أمْكَنَ وقْعٍ.
وجُمْلَةُ (فَأتْبَعُوهم مُشْرِقِينَ) مُفَرَّعَةٌ عَلى جُمْلَةِ (فَأخْرَجْناهم) وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ. والتَّقْدِيرُ: فَأخْرَجْناهم فَأتْبَعُوهم. والضَّمِيرُ المَرْفُوعُ عائِدٌ إلى ما عادَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ النَّصْبِ مِن قَوْلِهِ (﴿فَأخْرَجْناهُمْ﴾)، وضَمِيرُ النَّصْبِ عائِدٌ إلى (عِبادِي) مِن قَوْلِهِ: (﴿أنْ اسْرِ بِعِبادِي﴾ [الشعراء: ٥٢]) .
و(أتْبَعُوهم) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وسُكُونِ التّاءِ بِمَعْنى تَبِعَ، أيْ: فَلَحِقُوهم.
و(﴿مُشْرِقِينَ﴾) حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ المَرْفُوعِ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ قاصِدِينَ جِهَةَ الشَّرْقِ يُقالُ: أشْرَقَ، إذا دَخَلَ في أرْضِ الشَّرْقِ، كَما يُقالُ: أنْجَدَ وأتْهَمَ وأعْرَقَ وأشْأمَ، ويُعْلَمُ مِن هَذا أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ تَوَجَّهُوا صَوْبَ الشَّرْقِ وهو صَوْبُ بَحْرِ (القُلْزُمِ) وهو البَحْرُ الأحْمَرُ وسُمِّيَ يَوْمَئِذٍ بَحْرُ سُوفٍ وهو شَرْقِيُّ مِصْرَ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى داخِلِينَ في وقْتِ الشُّرُوقِ، أيْ: أدْرَكُوهم عِنْدَ شُرُوقٍ بَعْدَ أنْ قَضَوْا لَيْلَةً أوْ لَيالِيَ مَشْيًا فَما بَصُرَ بَعْضُهم بِبَعْضٍ إلّا عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ بَعْدَ لَيالِي السَّفَرِ.