Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿فَجاءَتْهُ إحْداهُما تَمْشِي عَلى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إنَّ أبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا﴾ عَرَفْتَ أنَّ الفاءَ تُؤْذِنُ بِأنَّ اللَّهَ اسْتَجابَ لَهُ، فَقَيَّضَ شُعَيْبًا أنْ يُرْسِلَ وراءَ مُوسى لِيُضَيِّفَهُ ويُزَوِّجَهُ بِنْتَهُ، فَذَلِكَ يَضْمَنُ لَهُ أُنْسًا في دارِ غُرْبَةٍ، ومَأْوًى وعَشِيرًا صالِحًا. وتُؤْذِنُ الفاءُ أيْضًا بِأنَّ شُعَيْبًا لَمْ يَتَرَيَّثْ في الإرْسالِ وراءَهُ فَأرْسَلَ إحْدى البِنْتَيْنِ اللَّتَيْنِ سَقى لَهُما وهي صَفُّورَةُ فَجاءَتْهُ وهو لَمْ يَزَلْ عَنْ مَكانِهِ في الظِّلِّ.
وذَكَرَ ”تَمْشِي“ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ”عَلى اسْتِحْياءٍ“ وإلّا فَإنَّ فِعْلَ ”جاءَتْهُ“ مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ ”تَمْشِي“ .
و”عَلى“ لِلِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ مُسْتَعارَةٌ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ الوَصْفِ. والمَعْنى: أنَّها مُسْتَحْيِيَةٌ في مَشْيِها، أيْ تَمْشِي غَيْرَ مُتَبَخْتِرَةٍ ولا مُتَثَنِّيَةٍ ولا مُظْهِرَةٍ زِينَةً. وعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أنَّها كانَتْ ساتِرَةً وجْهَها بِثَوْبِها؛ أيْ لِأنَّ سَتْرَ الوَجْهِ غَيْرُ واجِبٍ عَلَيْها، ولَكِنَّهُ مُبالَغَةٌ في الحَياءِ. والِاسْتِحْياءُ مُبالَغَةٌ في الحَياءِ مِثْلُ الِاسْتِجابَةِ قالَ تَعالى ﴿وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أبْصارِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] إلى قَوْلِهِ ﴿لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] .
وجُمْلَةُ ”قالَتْ“ بَدَلٌ مِن ”جاءَتْهُ“ . وإنَّما بَيَّنَتْ لَهُ الغَرَضَ مِن دَعْوَتِهِ مُبادَرَةً بِالإكْرامِ.
والجَزاءُ: المُكافَأةُ عَلى عَمَلٍ حَسَنٍ أوْ سَيِّئٍ بِشَيْءٍ مِثْلِهِ في الحُسْنِ أوِ الإساءَةِ،
صفحة ١٠٤
قالَ تَعالى ﴿هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلّا الإحْسانُ﴾ [الرحمن: ٦٠] وقالَ تَعالى ﴿ذَلِكَ جَزَيْناهم بِما كَفَرُوا﴾ [سبإ: ١٧] .وتَأْكِيدُ الجُمْلَةِ في قَوْلِهِ ”إنَّ أبِي يَدْعُوكَ“ حِكايَةٌ لِما في كَلامِها مِن تَحْقِيقِ الخَبَرِ لِلِاهْتِمامِ بِهِ، وإدْخالِ المَسَرَّةِ عَلى المُخْبَرِ بِهِ.
والأجْرُ: التَّعْوِيضُ عَلى عَمَلٍ نافِعٍ لِلْمُعَوَّضِ، ومِنهُ سُمِّيَ ثَوابُ الطّاعاتِ أجْرًا، قالَ تَعالى ﴿وإنْ تُؤْمِنُوا وتَتَّقُوا يُؤْتِكم أُجُورَكُمْ﴾ [محمد: ٣٦] . وانْتَصَبَ ”أجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا“ عَلى المَفْعُولِ المُطْلَقِ لِبَيانِ نَوْعِ الجَزاءِ أنَّهُ جَزاءُ خَيْرٍ، وهو أنْ أرادَ ضِيافَتَهُ، ولَيْسَ هو المَفْعُولَ المُطْلَقَ لِبَيانِ نَوْعِ الجَزاءِ أنَّهُ جَزاءُ خَيْرٍ، وهو أنْ أرادَ ضِيافَتَهُ، لَيْسَ هو مِن مَعْنى إجارَةِ الأجِيرِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ تَقاوُلٍ ولا شَرْطٍ ولا عادَةٍ.
والجَزاءُ إكْرامٌ، والإجارَةُ تَعاقُدٌ. ويَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ عَقِبَهُ ﴿قالَتْ إحْداهُما يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ [القصص: ٢٦] فَإنَّهُ دَلِيلٌ عَلى أنَّ أباها لَمْ يَسْبِقْ مِنهُ عَزْمٌ عَلى اسْتِئْجارِ مُوسى. وكانَ فِعْلُ مُوسى مَعْرُوفًا مَحْضًا لا يَطْلَبُ عَلَيْهِ جَزاءً؛ لِأنَّهُ لا يَعْرِفُ المَرْأتَيْنِ ولا بَيْتَهُما، وكانَ فِعْلُ شُعَيْبٍ كَرَمًا مَحْضًا ومَحَبَّةً لِقِرى كُلِّ غَرِيبٍ، وتَضْيِيفُ الغَرِيبِ مِن سُنَّةِ إبْراهِيمَ فَلا غَرْوَ أنْ يَعْمَلَ بِها رَجُلانِ مِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ. و”ما“ في قَوْلِهِ ”ما سَقَيْتَ لَنا“ مَصْدَرِيَّةٌ، أيْ سَقْيِكَ، ولامُ ”لَنا“ لامُ العِلَّةِ.
* * *
﴿فَلَمّا جاءَهُ وقَصَّ عَلَيْهِ القَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾كانَتِ العَوائِدُ أنْ يُفاتَحَ الضَّيْفُ بِالسُّؤالِ عَنْ حالِهِ ومَقْدِمِهِ فَلِذَلِكَ قَصَّ مُوسى قِصَّةَ خُرُوجِهِ ومَجِيئِهِ عَلى شُعَيْبٍ. وذَلِكَ يَقْتَضِي أنَّ شُعَيْبًا سَألَهُ عَنْ سَبَبِ قُدُومِهِ، والقَصَصُ: الخَبَرُ. و”قَصَّ عَلَيْهِ“ أخْبَرَهُ.
والتَّعْرِيفُ في ”القَصَصَ“ عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ، أيْ قَصَصَهُ، أوْ لِلْعَهْدِ، أيِ القَصَصَ المَذْكُورَ آنِفًا. وتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في أوَّلِ سُورَةِ يُوسُفَ.
فَطَمْأنَهُ شُعَيْبٌ بِأنَّهُ يُزِيلُ عَنْ نَفْسِهِ الخَوْفَ؛ لِأنَّهُ أصْبَحَ في مَأْمَنٍ مِن أنْ يَنالَهُ حُكْمُ فِرْعَوْنَ؛ لِأنَّ بِلادَ مَدْيَنَ تابِعَةٌ لِمُلْكِ الكَنْعانِيِّينَ وهم أهْلُ بَأْسٍ ونَجْدَةٍ. ومَعْنى نَهْيِهِ عَنِ الخَوْفِ نَهْيُهُ عَنْ ظَنِّ أنْ تَنالَهُ يَدُ فِرْعَوْنَ.
صفحة ١٠٥
وجُمْلَةُ ﴿نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الخَوْفِ. ووَصْفُ قَوْمِ فِرْعَوْنَ بِالظّالِمِينَ تَصْدِيقًا لِما أخْبَرَهُ بِهِ مُوسى مِن رَوْمِهِمْ قَتْلَهُ قِصاصًا عَنْ قَتْلٍ خَطَأٍ. وما سَبَقَ ذَلِكَ مِن خَبَرِ عَداوَتِهِمْ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ.