صفحة ١١٥

﴿فَذانِكَ بُرْهانانِ مِن رَبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ إنَّهم كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ﴾

تَفْرِيعٌ عَلى قَوْلِهِ ”﴿واضْمُمْ إلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهَبِ﴾“ والإشارَةُ إلى العَصا، وبَياضِ اليَدِ. والبُرْهانُ: الحُجَّةُ القاطِعَةُ. و”مِن“ لِلِابْتِداءِ، و”إلى“ لِلِانْتِهاءِ المَجازِيِّ، أيْ حُجَّتانِ عَلى أنْ أُرْسِلَ بِهِما إلَيْهِمْ.

وجُمْلَةُ ﴿إنَّهم كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ﴾ [النمل: ١٢] تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ ﴿فَذانِكَ بُرْهانانِ مِن رَبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ﴾ لِتَضَمُّنِها أنَّهم بِحَيْثُ يُقْرَعُونَ بِالبَراهِينِ فَبَيَّنَ أنَّ سَبَبَ ذَلِكَ تَمَكَّنُ الكُفْرِ مِن نُفُوسِهِمْ حَتّى كانَ كالجِبِلَّةِ فِيهِمْ وبِهِ قِوامُ قَوْمِيَّتِهِمْ لِما يُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُهُ ”كانُوا“ . قَوْلُهُ ”قَوْمًا“ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ. والفِسْقُ: الإشْراكُ بِاللَّهِ.

وقَرَأ الجُمْهُورُ (فَذانِكَ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ مِن (ذانِكَ) عَلى الأصْلِ في التَّثْنِيَةِ. وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو ورُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِتَشْدِيدِ نُونِ (فَذانِكَ) وهي لُغَةُ تَمِيمٍ وقَيْسٍ. وعَلَّلَها النَّحْوِيُّونَ بِأنَّ تَضْعِيفَ النُّونِ تَعْوِيضٌ عَلى الألْفِ مِن (ذا) و(تا) المَحْذُوفَةِ لِأجْلِ صِيغَةِ التَّثْنِيَةِ. وفي الكَشّافِ: أنَّ التَّشْدِيدَ عِوَضٌ عَنْ لامِ البُعْدِ الَّتِي تَلْحَقُ اسْمَ الإشارَةِ فَلِذَلِكَ قالَ (فالمُخَفَّفُ مُثَنّى ذاكَ والمُشَدَّدُ مُثَنّى ذَلِكَ) . وهَذا أحْسَنُ.