Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ولَئِنْ أرْسَلْنا رِيحًا فَرَأوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿وإنْ كانُوا مِن قَبْلِ أنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾ [الروم: ٤٩] وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ واسْتِطْرادٌ لِغَرَضٍ قَدْ عَلِمْتَهُ آنِفًا. وهَذِهِ الجُمْلَةُ سِيقَتْ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ الكُفْرانَ مَطْبُوعٌ في نُفُوسِهِمْ بِحَيْثُ يُعاوِدُهم بِأدْنى سَبَبٍ فَهم إذا أصابَتْهُمُ النِّعْمَةُ اسْتَبْشَرُوا ولَمْ يَشْكُرُوا وإذا أصابَتْهُمُ البَأْساءُ أسْرَعُوا إلى الكُفْرانِ فَصُوَّرَ لِكُفْرِهِمْ أعْجَبَ صُورَةٍ وهي إظْهارُهم إيّاهُ بِحِدْثانِ ما كانُوا مُسْتَبْشِرِينَ مِنهُ إذْ يَكُونُ الزَّرْعُ أخْضَرَ والأمَلُ في الِارْتِزاقِ مِنهُ قَرِيبًا فَيُصِيبُهُ إعْصارٌ فَيَحْتَرِقُ فَيَضِجُّونَ مِن
صفحة ١٢٥
ذَلِكَ وتَكُونُ حالُهم حالَةَ مَن يَكْفُرُ بِاللَّهِ وتَجْرِي عَلى أقْوالِهِمْ عِباراتُ السُّخْطِ والقُنُوطِ، كَما قالَ بَعْضُ رُجّازِ الأعْرابِ إذْ أصابَ قَوْمَهُ قَحْطٌ:رَبَّ العِبادِ مَـا لَـنَـا وما لَـكَ قَدْ كُنْتَ تَسْقِينا فَما بَدا لَـكَ
أنْزِلْ عَلَيْنا الغَيْثَ لا أبا لَكَ
فالضَّمِيرُ المَنصُوبُ في رَأوْهُ عائِدٌ إلى (أثَرِ رَحْمَةِ اللَّهِ) وهو الزَّرْعُ والكَلَأُ والشَّجَرُ. والِاصْفِرارُ في الزَّرْعِ ونَحْوِهِ مُؤْذِنٌ بِيُبْسِهِ، وسُمُّوا صُفارًا بِضَمِّ وتَخْفِيفِ الفاءِ: داءٌ يُصِيبُ الزَّرْعَ.والمُصْفَرُّ: اسْمُ فاعِلٍ مُقْتَضٍ الوَصْفَ بِمَعْناهُ في الحالِ، أيْ فَرَأوْهُ يَصِيرُ أصْفَرَ، فالتَّعْبِيرُ بِـ ”مُصْفَرًّا“ لِتَصْوِيرِ حِدَثانِ الِاصْفِرارِ عَلَيْهِ دُونَ أنْ يُقالَ: فَرَأوْهُ أصْفَرَ.
وظَلَّ: بِمَعْنى صارَ، والإتْيانُ بِفِعْلِ التَّصْبِيرِ مَعَ الإخْبارِ عَنْهُ بِالمُضارِعِ لِتَصْوِيرِ مُبادَرَتِهِمْ إلى الكُفْرِ ثُمَّ اسْتِمْرارِهِمْ عَلَيْهِ. والحاصِلُ أنَّ المَعْنى أنَّهُ يَغْلِبُ الكُفْرُ عَلى أحْوالِهِمْ.
واعْلَمْ أنَّ الإتْيانَ بِالأفْعالِ الثَّلاثَةِ ماضِيَةً لِأنَّ وُقُوعَها في سِياقِ الشَّرْطِ يَمْحَضُها لِلِاسْتِقْبالِ، فَأُوثِرَتْ صِيغَةُ المُضِيِّ لِأنَّها أخَفُّ والمُتَكَلِّمُ مُخَيَّرٌ في اجْتِلابِ أيِّ الصِّيغَتَيْنِ مَعَ الشَّرْطِ، مِثْلَ قَوْلِهِ ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ والجِنُّ عَلى أنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذا القُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ [الإسراء: ٨٨] بِصِيغَةِ المُضارِعِ لِأنَّ المَقامَ لِلنَّفْي بِـ ”لا“ وهي لا تَدْخُلُ عَلى الماضِي المُسْنَدِ إلى مُفْرَدٍ إلّا في الدُّعاءِ.