Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ولَوْ تَرى إذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أبْصَرْنا وسَمِعْنا فارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحًا إنّا مُوقِنُونَ﴾
أرْدَفَ ذِكْرَ إنْكارِهِمُ البَعْثَ بِتَصْوِيرِ حالِ المُنْكِرِينَ أثَرَ البَعْثِ وذَلِكَ عِنْدَ حَشْرِهِمْ إلى الحِسابِ، وجِيءَ في تَصْوِيرِ حالِهِمْ بِطَرِيقَةِ حَذْفِ جَوابِ لَوْ حَذْفًا يُرادِفُهُ أنْ تَذْهَبَ نَفْسُ السّامِعِ كُلَّ مَذْهَبٍ مِن تَصْوِيرِ فَظاعَةِ حالِهِمْ وهَوْلِ مَوْقِفِهِمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِمْ، وبِتَوْجِيهِ الخِطابِ إلى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لِإفادَةِ تَناهِي حالِهِمْ في الظُّهُورِ حَتّى لا يَخْتَصَّ بِهِ مُخاطَبٌ. والمَعْنى: لَوْ تَرى أيُّها الرّائِي لَرَأيْتَ أمْرًا عَظِيمًا.
والمُجْرِمُونَ هُمُ الَّذِينَ قالُوا (﴿أاْذا ضَلَلْنا في الأرْضِ إنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة: ١٠])، فَهو إظْهارٌ في مَقامِ الإضْمارِ لِقَصْدِ التَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم في قَوْلِهِمْ ذَلِكَ مُجْرِمُونَ، أيْ آتُونَ بِجُرْمٍ وهو جُرْمُ تَكْذِيبِ الرَّسُولِ ﷺ وتَعْطِيلِ الدَّلِيلِ.
والنّاكِسُ: الَّذِي يَجْعَلُ أعْلى شَيْءٍ إلى أسْفَلَ، يُقالُ: نَكَّسَ رَأْسَهُ، إذا طَأْطَأهُ لِأنَّهُ كَمَن جَعَلَ أعْلى الشَّيْءِ إلى أسْفَلَ.
ونَكْسُ الرُّءُوسِ عَلامَةُ الذُّلِّ والنَّدامَةِ، وذَلِكَ مِمّا يُلاقُونَ مِنَ التَّقْرِيعِ والإهانَةِ.
والعِنْدِيَّةُ: عِنْدِيَّةُ السُّلْطَةِ، أيْ: وهم في حُكْمِ رَبِّهِمْ لا يَسْتَطِيعُونَ مَحِيدًا عَنْهُ، فَشَبَّهَ ذَلِكَ بِالكَوْنِ في مَكانٍ مُخْتَصٍّ بِرَبِّهِمْ في أنَّهم لا يُفْلِتُونَ مِنهُ.
وجُمْلَةُ ﴿رَبَّنا أبْصَرْنا وسَمِعْنا﴾ إلى آخِرِها مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ هو في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ ناكِسُو رُءُوسِهِمْ يَقُولُونَ أوْ قائِلِينَ: أبْصَرْنا وسَمِعْنا، وهم يَقُولُونَ ذَلِكَ نَدامَةً وإقْرارًا بِأنَّ ما تَوَعَّدَهُمُ القُرْآنُ بِهِ حَقٌّ.
وحَذْفُ مَفْعُولِ أبْصَرْنا ومَفْعُولِ سَمِعْنا لِدَلالَةِ المَقامِ، أيْ أبْصَرْنا مِنَ الدَّلائِلِ المُبْصَرَةِ ما يُصَدِّقُ ما أخْبَرَنا بِهِ فَقَدْ رَأوُا البَعْثَ مِنَ القُبُورِ ورَأوْا ما يُعامَلُ بِهِ المُكَذِّبُونَ، وسَمِعْنا مِن أقْوالِ المَلائِكَةِ ما فِيهِ تَصْدِيقُ الوَعِيدِ الَّذِي تَوَعَّدَنا
صفحة ٢٢٢
بِهِ، أيْ فَعَلِمْنا أنَّ ما دَعانا إلَيْهِ الرَّسُولُ هو الحَقُّ الَّذِي بِهِ النَّجاةُ مِنَ العَذابِ فارْجِعْنا إلى الدُّنْيا نَعْمَلْ صالِحًا كَما قالُوا في مَوْطِنٍ آخَرَ ﴿رَبَّنا أخِّرْنا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ونَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ [إبراهيم: ٤٤] .وقَوْلُهُ ”﴿إنّا مُوقِنُونَ﴾“ تَعْلِيلٌ لِتَحْقِيقِ الوَعْدِ بِالعَمَلِ الصّالِحِ بِأنَّهم صارُوا مُوقِنِينَ بِحَقِيَّةِ ما يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ ﷺ إلَيْهِ فَكانَتْ ”إنَّ“ مُغَنِيَةً غَناءَ فاءِ التَّفْرِيعِ المُفِيدَةِ لِلتَّعْلِيلِ، أيْ ما يَمْنَعُنا مِن تَحْقِيقِ ما وُعِدْنا بِهِ شَكٌ ولا تَكْذِيبٌ، إنّا أيْقَنّا الآنَ أنَّ ما دُعِينا إلَيْهِ حَقٌّ.
فاسْمُ الفاعِلِ في قَوْلِهِ ”مُوقِنُونَ“ واقِعٌ زَمانَ الحالِ كَما هو أصْلُهُ.