﴿ولَنُذِيقَنَّهم مِنَ العَذابِ الأدْنى دُونَ العَذابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾

إخْبارٌ بِأنَّ لَهم عَذابًا آخَرَ لا يَبْلُغُ مَبْلَغَ عَذابِ النّارِ المَوْعُودِينَ بِهِ في الآخِرَةِ

صفحة ٢٣٣

فَتَعَيَّنَ أنَّ العَذابَ الأدْنى عَذابُ الدُّنْيا. والمَقْصُودُ مِن هَذا: التَّعْرِيضُ بِتَهْدِيدِهِمْ لِأنَّهم يَسْمَعُونَ هَذا الكَلامَ أوْ يُبَلَّغُ إلَيْهِمْ. وهَذا إنْذارٌ بِما لَحِقَهم بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ وهو ما مُحِنُوا بِهِ مِنَ الجُوعِ والخَوْفِ وكانُوا في أمْنٍ مِنهُما وما يُصِيبُهم يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ القَتْلِ والأسْرِ ويَوْمَ الفَتْحِ مِنَ الذُّلِّ.

وجُمْلَةُ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِحِكْمَةِ إذاقَتِهِمُ العَذابَ الأدْنى في الدُّنْيا بِأنَّهُ لِرَجاءِ رُجُوعِهِمْ، أيْ رُجُوعِهِمْ عَنِ الكُفْرِ بِالإيمانِ، والمُرادُ: رُجُوعُ مَن يُمْكِنُ رُجُوعُهُ وهُمُ الأحْياءُ مِنهم. وإسْنادُ الرُّجُوعِ إلى ضَمِيرِ جَمِيعِهِمْ بِاعْتِبارِ القَبِيلَةِ والجَماعَةِ، أيْ لَعَلَّ جَماعَتَهم تَرْجِعُ.

وكَذَلِكَ كانَ، فَقَدْ آمَنَ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ وبِخاصَّةٍ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَصارَ مَن تَحَقَّقَ فِيهِمُ الرُّجُوعُ المَرْجُوُّ مَخْصُوصِينَ مِن عُمُومِ الَّذِينَ فَسَقُوا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأمّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النّارُ كُلَّما أرادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنها﴾ [السجدة: ٢٠] الآيَةَ، فَبَقِيَ ذَلِكَ الوَعِيدُ لِلَّذِينَ ماتُوا عَلى الشِّرْكِ، وهي مَسْألَةُ المُوافاةِ عِنْدَ الأشْعَرِيِّ.