Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ ويُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ . لَمّا ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلْمُشْرِكِينَ والمُؤْمِنِينَ بِمَثَلِ رَجُلٍ فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ورَجُلٍ خالِصٍ لِرَجُلٍ، كانَ ذَلِكَ المَثَلُ مُثِيرًا لِأنْ يَقُولَ قائِلُ المُشْرِكِينَ لَتَتَألَّبَنَّ شُرَكاؤُنا عَلى الَّذِي جاءَ يُحَقِّرُها ويَسُبُّها، ومُثِيرًا لِحَمِيَّةِ المُشْرِكِينَ أنْ يَنْتَصِرُوا لِآلِهَتِهِمْ كَما قالَ مُشْرِكُو قَوْمِ إبْراهِيمَ ﴿حَرِّقُوهُ وانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٦٨]، ورُبَّما أنْطَقَتْهم حَمِيَّتُهم بِتَخْوِيفِ الرَّسُولِ ﷺ فَفي الكَشّافِ وتَفْسِيرِ القُرْطُبِيِّ: أنَّ قُرَيْشًا قالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إنّا نَخافُ أنْ تَخْبِلَكَ آلِهَتُنا وإنّا نَخْشى عَلَيْكَ مَعَرَّتَها بِعَيْنٍ بَعْدَ المِيمِ بِمَعْنى الإصابَةِ بِمَكْرُوهٍ يَعْنُونَ المَضَرَّةَ لِعَيْبِكَ إيّاها، وفي تَفْسِيرِ ابْنِ عَطِيَّةَ ما هو بِمَعْنى هَذا، فَلَمّا حَكى تَكْذِيبَهم النَّبِيءَ عَطَفَ الكَلامَ إلى ما هَدَّدُوهُ بِهِ وخَوَّفُوهُ مِن شَرِّ أصْنامِهِمْ بِقَوْلِهِ ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ ويُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ .
فَهَذا الكَلامُ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ﴾ [الزمر: ٢٩] الآيَةَ، والمَعْنى: أنَّ اللَّهَ الَّذِي أفْرَدْتُهُ بِالعِبادَةِ هو كافِيكَ شَرَّ المُشْرِكِينَ وباطِلَ آلِهَتِهِمُ الَّتِي عَبَدُوها مِن دُونِهِ، فَقَوْلُهُ ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ﴾ تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ ﴿ويُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾، قُدِّمَ عَلَيْهِ لِتَعْجِيلِ مَساءَةِ المُشْرِكِينَ بِذَلِكَ، ويَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ تَعْجِيلُ مَسَرَّةِ الرَّسُولِ ﷺ بِأنَّ اللَّهَ ضامِنٌ لَهُ الوِقايَةَ كَقَوْلِهِ ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٣٧] .
صفحة ١٣
وأصْلُ النَّظْمِ: ويُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِ اللَّهِ واللَّهُ كافِيكَ، فَغَيَّرَ مَجْرى النَّظْمِ لِهَذا الغَرَضِ، ولَكَ أنْ تَجْعَلَ نَظْمَ الكَلامِ عَلى تَرْتِيبِهِ في اللَّفْظِ فَتَجْعَلَ جُمْلَةَ ألَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ اسْتِئْنافًا وتَصِيرُ جُمْلَةُ (ويُخَوِّفُونَكَ) حالًا.ووَقَعَ التَّعْبِيرُ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ بِالِاسْمِ الظّاهِرِ وهو عَبْدُهُ دُونَ ضَمِيرِ الخِطابِ لِأنَّ المَقْصُودَ تَوْجِيهُ الكَلامِ إلى المُشْرِكِينَ، وحُذِفَ المَفْعُولُ الثّانِي لِ (كافٍ) لِظُهُورِ أنَّ المَقْصُودَ كافِيكَ أذاهم، فَأمّا الأصْنامُ فَلا تَسْتَطِيعُ أذًى حَتّى يُكْفاهُ الرَّسُولُ ﷺ والِاسْتِفْهامُ إنْكارٌ عَلَيْهِمْ ظَنَّهم أنْ لا حامِيَ لِلرَّسُولِ ﷺ مِن ضُرِّ الأصْنامِ.
والمُرادُ بِ (عَبْدَهُ) هو الرَّسُولُ ﷺ لا مَحالَةَ وبِقَرِينَةِ (ويُخَوِّفُونَكَ) .
وفِي اسْتِحْضارِ الرَّسُولِ ﷺ بِوَصْفِ العُبُودِيَّةِ وإضافَتِهِ إلى ضَمِيرِ الجَلالَةِ، مَعْنًى عَظِيمٌ مِن تَشْرِيفِهِ بِهَذِهِ الإضافَةِ وتَحْقِيقِ أنَّهُ غَيْرُ مُسَلِّمِهِ إلى أعْدائِهِ.
والخِطابُ في (ويُخَوِّفُونَكَ) لِلنَّبِيءِ ﷺ وهو التِفاتٌ مِن ضَمِيرِ الغَيْبَةِ العائِدِ عَلى عَبْدِهِ، ونُكْتَةُ هَذا الِالتِفاتِ هو تَمْحِيضُ قَصْدِ النَّبِيءِ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الجُمْلَةِ بِخِلافِ جُمْلَةِ ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ﴾ كَما عَلِمْتَ آنِفًا.
والَّذِينَ مِن دُونِهِ هُمُ الأصْنامُ. عَبَّرَ عَنْهم وهم حِجارَةٌ بِمَوْصُولِ العُقَلاءِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمالِ التَّعْبِيرِ عَنْهم في الكَلامِ بِصِيَغِ العُقَلاءِ. ومِن دُونِهِ صِلَةُ المَوْصُولِ عَلى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ المَجْرُورُ دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ، تَقْدِيرُهُ: اتَّخَذُوهم مِن دُونِهِ أوْ عَبَدُوهم مِن دُونِهِ.
ووَقَعَ في تَفْسِيرِ البَيْضاوِيِّ أنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ هو خَبَرُ تَوْجِيهِ النَّبِيءِ ﷺ خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إلى هَدْمِ العُزّى وأنَّ سادِنَ العُزّى قالَ لِخالِدٍ: أُحَذِّرُكَها يا خالِدُ فَإنَّ لَها شِدَّةً لا يَقُومُ لَها شَيْءٌ، فَعَمَدَ خالِدٌ إلى العُزّى فَهَشَّمَ أنْفَها حَتّى كَسَرَها بِالفَأْسِ فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ. وتَأوَّلَ الخِطابَ في قَوْلِهِ ﴿ويُخَوِّفُونَكَ﴾ بِأنَّ تَخْوِيفَهم خالِدًا أرادُوا بِهِ تَخْوِيفَ النَّبِيءِ ﷺ فَتَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ مَدَنِيَّةً وسِياقُ الآيَةِ نابَ عَنْهُ. ولَعَلَّ بَعْضَ مَن قالَ هَذا إنَّما أرادَ الِاسْتِشْهادَ لِتَخْوِيفِ المُشْرِكِينَ النَّبِيءَ ﷺ مِن أصْنامِهِمْ بِمِثالٍ مَشْهُورٍ.
صفحة ١٤
وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿بِكافٍ عَبْدَهُ﴾، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وأبُو جَعْفَرٍ وخَلَفٌ ”عِبادَهُ“ بِصِيغَةِ الجَمْعِ أيِ النَّبِيءَ ﷺ والمُؤْمِنِينَ فَإنَّهم لَمّا خَوَّفُوا النَّبِيءَ ﷺ فَقَدْ أرادُوا تَخْوِيفَهُ وتَخْوِيفَ أتْباعِهِ وأنَّ اللَّهَ كَفاهم شَرَّهم.* * *
﴿ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ﴾ ﴿ومَن يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن مُضِلٍّ﴾ [الزمر: ٣٧] .اعْتِراضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ﴾ الآيَةَ، وجُمْلَةِ ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ﴾ [الزمر: ٣٧] قَصَدَ مِن هَذا الِاعْتِراضِ أنَّ ضَلالَهم داءٌ عَياءٌ لِأنَّهُ ضَلالٌ مُكَوَّنٌ في نُفُوسِهِمْ وجِبِلَّتِهِمْ قَدْ ثَبَّتَتْهُ الأيّامُ، ورَسَّخَهُ تَعاقُبُ الأجْيالِ، فَرانَ بِغِشاوَتِهِ عَلى ألْبابِهِمْ، فَلَمّا صارَ ضَلالُهم كالمَجْبُولِ المَطْبُوعِ أُسْنِدَ إيجادُهُ إلى اللَّهِ كِنايَةً عَنْ تَعَسُّرِ أوْ تَعَذُّرِ اقْتِلاعِهِ مِن نُفُوسِهِمْ.
وأُرِيدَ مِن نَفْيِ الهادِي مِن قَوْلِهِ ﴿فَما لَهُ مِن هادٍ﴾ نَفِيُ حُصُولِ الِاهْتِداءِ، فَكُنِّيَ عَنْ عَدَمِ حُصُولِ الهُدى بِانْتِفاءِ الهادِي لِأنَّ عَدَمَ الِاهْتِداءِ يَجْعَلُ هادِيَهم كالمَنفِيِّ. وقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ في سُورَةِ الأعْرافِ ﴿مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ﴾ [الأعراف: ١٨٦] .
والآيَتانِ مُتَساوِيَتانِ في إفادَةِ نَفْيِ جِنْسِ الهادِي، إلّا أنَّ إفادَةَ ذَلِكَ هُنا بِزِيادَةِ (مَن) تَنْصِيصًا عَلى نَفْيِ الجِنْسِ. وفي آيَةِ الأعْرافِ بِبِناءِ هادِي عَلى الفَتْحِ بَعْدَ (لا) النّافِيَةِ لِلْجِنْسِ فَإنَّ بِناءَ اسْمِها عَلى الفَتْحِ مُشْعِرٌ بِأنَّ المُرادَ نَفْيُ الجِنْسِ نَصًّا. والِاخْتِلافُ بَيْنَ الأُسْلُوبَيْنِ تَفَنُّنٌ في الكَلامِ وهو مِن مَقاصِدِ البُلَغاءِ.
وتَقْدِيمُ (لَهُ) عَلى (هادٍ) لِلِاهْتِمامِ بِضَمِيرِهِمْ في مَقامِ نَفْيِ الهادِي لَهم لِأنَّ ضَلالَهُمُ المَحْكِيَّ هُنا بالِغٌ في الشَّناعَةِ إذا بَلَغَ بِهِمْ حَدُّ الطَّمَعِ في تَخْوِيفِ النَّبِيءِ بِأصْنامِهِمْ في حالِ ظُهُورِ عَدَمِ اعْتِدادِهِ بِأصْنامِهِمْ لِكُلِّ مُتَأمِّلٍ مِن حالِ دَعْوَتِهِ، وإذْ بَلَغَ بِهِمُ اعْتِقادُ مَقْدِرَةِ أصْنامِهِمْ مَعَ الغَفْلَةِ عَنْ قُدْرَةِ الرَّبِّ الحَقِّ، بِخِلافِ آيَةِ الأعْرافِ فَإنَّ فِيها ذِكْرَ إعْراضِهِمْ عَنِ النَّظَرِ في مَلَكُوتِ السَّماواتِ والأرْضِ وهو ضَلالٌ دُونَ ضَلالِ التَّخْوِيفِ مِن بَأْسِ أصْنامِهِمْ.
صفحة ١٥
وأمّا جُمْلَةُ ﴿ومَن يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن مُضِلٍّ﴾ [الزمر: ٣٧] فَقَدِ اقْتَضاها أنَّ الكَلامَ الَّذِي اعْتَرَضَتْ بَعْدَهُ الجُمْلَتانِ اقْتَضى فَرِيقَيْنِ: فَرِيقًا مُتَمَسِّكًا بِاللَّهِ القادِرِ عَلى النَّفْعِ والضَّرِّ وهو النَّبِيءُ ﷺ والمُؤْمِنُونَ، وآخَرُ مُسْتَمْسِكًا بِالأصْنامِ العاجِزَةِ عَنِ الأمْرَيْنِ، فَلَمّا بَيَّنَ أنَّ ضَلالَ الفَرِيقِ الثّانِي ضَلالٌ مَكِينٌ بِبَيانِ أنَّ هُدى الفَرِيقِ الآخَرِ راسِخٌ مَتِينٌ فَلا مَطْمَعَ لِلْفَرِيقِ الضّالِّ بِأنْ يَجُرُّوا المُهْتَدِينَ إلى ضَلالِهِمْ.