Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ١٠٦
﴿رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو العَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِن أمْرِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ﴾ ﴿يَوْمَ هم بارِزُونَ لا يَخْفى عَلى اللَّهِ مِنهم شَيْءٌ﴾ [غافر: ١٦] .رَفِيعُ الدَّرَجاتِ خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هو ضَمِيرُ اسْمِ الجَلالَةِ في قَوْلِهِ (فادْعُوا اللَّهَ) ولَيْسَ خَبَرًا ثانِيًا بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكم آياتِهِ﴾ [غافر: ١٣] لِأنَّ الكَلامَ هُنا في غَرَضٍ مُسْتَجَدٍّ، وحَذْفُ المُسْنَدِ إلَيْهِ في مِثْلِهِ حَذْفُ اتِّباعٍ لِلِاسْتِعْمالِ في حَذْفِ مِثْلِهِ، كَذا سَمّاهُ السَّكّاكِيُّ بَعْدَ أنْ يَجْرِيَ مِن قِبَلِ الجُمْلَةِ حَدِيثٌ عَنِ المَحْذُوفِ كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أوْ إبْراهِيمَ بْنِ العَبّاسِ الصُّولِيِّ أوْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الكاتِبِ:
سَأشْكُرُ عَمْرًا إنْ تَراخَتْ مَنِيَّتِي أيادِيَ لَمْ تُمْنَنْ وإنْ هي جَلَّتِ
فَتًى غَيْرُ مَحْجُوبِ الغِنى عَنْ صَدِيقِهِ ∗∗∗ ولا مُظْهِرُ الشَّكْوى إذا النَّعْلُ زَلَّتِ
و(رَفِيعُ) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ صِفَةً مُشَبَّهَةً. والتَّعْرِيفُ في الدَّرَجاتِ عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ. والتَّقْدِيرُ: رَفِيعَةٌ دَرَجاتُهُ، فَلَمّا حُوِّلَ وصْفُ ما هو مِن شُئُونِهِ إلى أنْ يَكُونَ وصْفًا لِذاتِهِ سُلِكَ طَرِيقُ الإضافَةِ وجُعِلَتِ الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ خَبَرًا عَنْ ضَمِيرِ الجَلالَةِ وجُعِلَ فاعِلُ الصِّفَةِ مُضافًا إلَيْهِ، وذَلِكَ مِن حالاتِ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ يُقالُ: فُلانٌ حَسَنٌ فِعْلُهُ، ويُقالُ: حَسَنُ الفِعْلِ، فَيُؤَوَّلُ قَوْلُهُ (﴿رَفِيعُ الدَّرَجاتِ﴾) إلى صِفَةِ ذاتِهِ.و(الدَّرَجاتُ) مُسْتَعارَةٌ لِلْمَجْدِ والعَظَمَةِ، وجَمْعُها إيذانٌ بِكَثْرَةِ العَظَماتِ بِاعْتِبارِ صِفاتِ مَجْدِ اللَّهِ الَّتِي لا تُحْصَرُ، والمَعْنى: أنَّهُ حَقِيقٌ بِإخْلاصِ الدُّعاءِ إلَيْهِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ (رَفِيعُ) مِن أمْثِلَةِ المُبالَغَةِ، أيْ كَثِيرُ رَفْعِ الدَّرَجاتِ لِمَن يَشاءُ وهو مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَن نَشاءُ﴾ [الأنعام: ٨٣]، وإضافَتُهُ إلى الدَّرَجاتِ مِنَ الإضافَةِ إلى المَفْعُولِ فَيَكُونُ راجِعًا إلى صِفاتِ أفْعالِ اللَّهِ تَعالى.
والمَقْصُودُ: تَثْبِيتُهم عَلى عِبادَةِ اللَّهِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ بِالتَّرْغِيبِ بِالتَّعَرُّضِ إلى
صفحة ١٠٧
رَفْعِ اللَّهِ دَرَجاتِهِمْ كَقَوْلِهِ ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم والَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجاتٍ﴾ [المجادلة: ١١] في سُورَةِ المُجادَلَةِ.و(ذُو العَرْشِ) خَبَرٌ ثانٍ وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ رَفْعَ الدَّرَجاتِ مِنهُ مُتَفاوِتٌ.
كَما أنَّ مَخْلُوقاتِهِ العُلْيا مُتَفاوِتَةٌ في العِظَمِ والشَّرَفِ إلى أنْ تَنْتَهِيَ إلى العَرْشِ وهو أعْلى المَخْلُوقاتِ كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ ورَفَعَ العَرْشَ ماذا تُقَدِّرُونَ رَفْعَهُ دَرَجاتِ عابِدِيهِ عَلى مَراتِبِ عِبادَتِهِمْ وإخْلاصِهِمْ.
وجُمْلَةُ (﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِن أمْرِهِ﴾) خَبَرٌ ثالِثٌ، أوْ بَدَلُ بَعْضٍ مِن جُمْلَةِ (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) فَإنَّ مِن رَفْعِ الدَّرَجاتِ أنْ يَرْفَعَ بَعْضَ عِبادِهِ إلى دَرَجَةِ النُّبُوءَةِ وذَلِكَ أعْظَمُ رَفْعِ الدَّرَجاتِ بِالنِّسْبَةِ إلى عِبادِهِ، فَبَدَلُ البَعْضِ هو هُنا أهَمُّ أفْرادِ المُبَدَلِ مِنهُ.
والإلْقاءُ: حَقِيقَتُهُ رَمْيُ الشَّيْءِ مِنَ اليَدِ إلى الأرْضِ، ويُسْتَعارُ لِلْإعْطاءِ إذا كانَ غَيْرَ مُتَرَقَّبٍ، وكَثُرَ هَذا في القُرْآنِ، قالَ (﴿فَألْقَوْا إلَيْهِمُ القَوْلَ إنَّكم لَكاذِبُونَ﴾ [النحل: ٨٦] ﴿وألْقَوْا إلى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ﴾ [النحل: ٨٧])، واسْتُعِيرَ هُنا لِلْوَحْيِ لِأنَّهُ يَجِيءُ فَجْأةً عَلى غَيْرِ تَرَقُّبٍ كَإلْقاءِ الشَّيْءِ إلى الأرْضِ.
والرُّوحُ: الشَّرِيعَةُ، وحَقِيقَةُ الرُّوحِ: ما بِهِ حَياةُ الحَيِّ مِنَ المَخْلُوقاتِ، ويُسْتَعارُ لِلنَّفِيسِ مِنَ الأُمُورِ ولِلْوَحْيِ لِأنَّهُ بِهِ حَياةُ النّاسِ المَعْنَوِيَّةُ وهي كَمالُهم وانْتِظامُ أُمُورِهِمْ، فَكَما تُسْتَعارُ الحَياةُ لِلْإيمانِ والعِلْمِ، كَذَلِكَ يُسْتَعارُ الرُّوحُ الَّذِي هو سَبَبُ الحَياةِ لِكَمالِ النُّفُوسِ وسَلامَتِها مِنَ الطَّوايا السَّيِّئَةِ، ويُطْلَقُ الرُّوحُ عَلى المَلَكِ قالَ﴿فَأرْسَلْنا إلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٧] .
و(مِن) ابْتِدائِيَّةٌ في (مِن أمْرِهِ)، أيْ بِأمْرِهِ، فالأمْرُ عَلى ظاهِرِهِ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ (مِن) تَبْعِيضِيَّةً ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا صِفَةَ الرُّوحِ أيْ بَعْضُ شُئُونِهِ الَّتِي لا يَطَّلِعُ عَلَيْها غَيْرُهُ إلّا مَنِ ارْتَضى فَيَكُونُ الأمْرُ بِمَعْنى الشَّأْنِ، أيِ الشُّئُونِ العَجِيبَةِ، وقِيلَ (مِن) بَيانِيَّةٌ وأنَّ الأمْرَ هو الرُّوحُ وهَذا بِعِيدٌ.
وهَذَهِ الآيَةُ تُشِيرُ إلى أنَّ النُّبُوءَةَ غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ لِأنَّها ابْتُدِئَتْ بِقَوْلِهِ
صفحة ١٠٨
﴿فادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [غافر: ١٤] ثُمَّ أعْقَبَ بِقَوْلِهِ (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) فَأشارَ إلى أنَّ عِبادَةَ اللَّهِ بِإخْلاصٍ سَبَبٌ لِرَفْعِ الدَّرَجاتِ، ثُمَّ أعْقَبَ بِقَوْلِهِ ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِن أمْرِهِ﴾ فَجِيءَ بِفِعْلِ الإلْقاءِ وبِكَوْنِ الرُّوحِ مِن أمْرِهِ وبِصِلَةِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ، فَآذَنَ بِأنَّ ذَلِكَ بِمَحْضِ اخْتِيارِهِ وعِلْمِهِ كَما قالَ تَعالى ”(﴿اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤])“ .وهَذا يَرْتَبِطُ بِقَوْلِهِ في أوَّلِ السُّورَةِ ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ فاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ٢] فَأمَرَ رَسُولَهُ ﷺ بِالإخْلاصِ في العِبادَةِ مُفَرِّعًا عَلى إنْزالِ الكِتابِ إلَيْهِ، وجاءَ في شَأْنِ النّاسِ بِقَوْلِهِ ﴿فادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾ [غافر: ١٤] ثُمَّ أعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) .
وقَدْ ضَرَبَ لَهُمُ العَرْشَ والأنْبِياءَ مَثَلَيْنِ لِرَفْعِ الدَّرَجاتِ في العَوالِمِ والعُقَلاءِ. وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِتَسْفِيهِ المُشْرِكِينَ إذْ قالُوا ﴿أبَشَرًا مِنّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ﴾ [القمر: ٢٤]، ﴿وقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] وقالُوا ﴿لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١٢٤] .
وتَخْلُصُ مِن ذِكْرِ النُّبُوءَةِ إلى النِّذارَةِ بِيَوْمِ الجَزاءِ. لِيَعُودَ وصْفُ يَوْمِ الجَزاءِ الَّذِي انْقَطَعَ الكَلامُ عَلَيْهِ مِن قَوْلِهِ تَعالى (﴿ذَلِكم بِأنَّهُ إذا دُعِيَ اللَّهُ وحْدَهُ كَفَرْتُمْ﴾ [غافر: ١٢]) إلَخْ.
والإنْذارُ: إخْبارٌ فِيهِ تَحْذِيرٌ مِمّا يَسُوءُ وهو بِضِدِّ التَّبْشِيرِ إذْ هو إخْبارٌ بِما فِيهِ مَسَرَّةٌ. وفِعْلُهُ المُجَرَّدُ: نَذِرَ كَعَلِمَ، يُقالُ: نَذِرَ بِالعَدُوِّ فَحَذِرَهُ.
والهَمْزَةُ في أنْذَرَ لِلتَّعْدِيَةِ فَحَقُّهُ أنْ لا يَتَعَدّى بِالهَمْزَةِ إلّا إلى مَفْعُولٍ واحِدٍ وهو الَّذِي كانَ فاعِلَ الفِعْلِ المُجَرَّدِ، وأنْ يَتَعَدّى إلى الأمْرِ المُخْبَرِ بِهِ بِالباءِ، يُقالُ: أنْذَرْتُهم بِالعَدُوِّ، غَيْرَ أنَّهُ غَلَبَ في الِاسْتِعْمالِ تَضْمِينُهُ مَعْنى التَّحْذِيرِ فَعَدُّوهُ إلى مَفْعُولٍ ثانٍ وهو اسْتِعْمالُ القُرْآنِ، وأمّا قَوْلُهُ في أوَّلِ الأعْرافِ (لِتُنْذِرَ بِهِ) فالباءُ فِيهِ لِلسَّبَبِيَّةِ أوِ الآلَةِ المَجازِيَّةِ ولَيْسَتْ لِلتَّعْدِيَةِ. وضَمِيرُ (بِهِ) عائِدٌ إلى الكِتابِ.
والضَّمِيرُ المُسْتَتِرُ في (لِيُنْذِرَ) عائِدٌ إلى اسْمِ الجَلالَةِ مِن قَوْلِهِ (﴿فادْعُوا اللَّهَ﴾ [غافر: ١٤])، والأحْسَنُ أنْ يَعُودَ عَلى (مَن) المَوْصُولَةِ لِيُنْذِرَ مَن ألْقى عَلَيْهِ الرُّوحَ قَوْمَهُ، ولِأنَّ
صفحة ١٠٩
فِيهِ تَخَلُّصًا إلى ذِكْرِ الرَّسُولِ الأعْظَمِ ﷺ الَّذِي هو بِصَدَدِ الإنْذارِ دُونَ الرُّسُلِ الَّذِينَ سَبَقُوا إذْ لا تُلائِمُهم صِيغَةُ المُضارِعِ ولِأنَّهُ مُرَجِّحٌ لِإظْهارِ اسْمِ الجَلالَةِ في قَوْلِهِ (﴿لا يَخْفى عَلى اللَّهِ مِنهم شَيْءٌ﴾ [غافر: ١٦]) كَما سَيَأْتِي.و(يَوْمَ التَّلاقِي) هو يَوْمُ الحَشْرِ، وسُمِّيَ يَوْمَ التَّلاقِي لِأنَّ النّاسَ كُلَّهم يَلْتَقُونَ فِيهِ، أوْ لِأنَّهم يَلْقَوْنَ رَبَّهم لِقاءً مَجازِيًّا، أيْ يَقِفُونَ في حَضْرَتِهِ وأمامَ أمْرِهِ مُباشَرَةً كَما قالَ تَعالى ﴿الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا﴾ [يونس: ٧] أيْ لا يَرْجُونَ يَوْمَ الحَشْرِ. وانْتَصَبَ (يَوْمَ التَّلاقِي) عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لِ (يُنْذِرَ)، وحُذِفَ المَفْعُولُ الأوَّلُ لِظُهُورِهِ، أيْ لِيُنْذِرَ النّاسَ.
وبَيْنَ (التَّلاقِي) و(يُلْقِي) جِناسٌ.
وكُتِبَ ”التَّلاقِي“ في المُصْحَفِ بِدُونِ ياءٍ. وقَرَأهُ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ عَنْهُ بِكَسْرَةٍ بِدُونِ ياءٍ. وقَرَأهُ الباقُونَ بِالياءِ لِأنَّهُ وقَعَ في الوَصْلِ لا في الوَقْفِ فَلا مُوجِبَ لِطَرْحِ الياءِ إلّا مُعامَلَةُ الوَصْلِ مُعامَلَةَ الوَقْفِ وهو قَلِيلٌ في النَّثْرِ فَيَقْتَصِرُ فِيهِ عَلى السَّماعِ. وكَفى بِرِوايَةِ نافِعٍ وأبِي عَمْرٍو سَماعًا.
و﴿يَوْمَ هم بارِزُونَ﴾ [غافر: ١٦] بَدَلٌ مِن (يَوْمَ التَّلاقِي) . (وهم بارِزُونَ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ، والمُضافُ ظَرْفٌ مُسْتَقْبَلٌ وذَلِكَ جائِزٌ عَلى الأرْجَحِ بِدُونِ تَقْدِيرٍ.
وضَمِيرُ الغَيْبَةِ عائِدٌ إلى ”الكافِرُونَ“ مِن قَوْلِهِ ﴿ولَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ﴾ [غافر: ١٤] .
وجُمْلَةُ (﴿لا يَخْفى عَلى اللَّهِ مِنهم شَيْءٌ﴾ [غافر: ١٦]) بَيانٌ لِجُمْلَةِ (هم بارِزُونَ) والمَعْنى: أنَّهم واضِحَةٌ ظَواهِرُهم وبَواطِنُهم فَإنَّ ذَلِكَ مُقْتَضى قَوْلِهِ (مِنهم شَيْءٌ) .
وإظْهارُ اسْمِ الجَلالَةِ لِأنَّ إظْهارَهُ أصْرَحُ لِبُعْدِ مَعادِهِ بِما عَقِبَهُ مِن قَوْلِهِ (﴿عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾)، ولِأنَّ الأظْهَرَ أنَّ ضَمِيرَ (لِيُنْذِرَ) عائِدٌ إلى (مَن يَشاءُ) .
ومَعْنى (مِنهم) مِن مَجْمُوعِهِمْ، أيْ مِن مَجْمُوعِ أحْوالِهِمْ وشُئُونِهِمْ، ولِهَذا أُوثِرَ ضَمِيرُ الجَمْعِ لِما فِيهِ مِنَ الإجْمالِ الصّالِحِ لِتَقْدِيرِ مُضافٍ مُناسِبٍ لِلْمَقامِ، وأُوثِرَ أيْضًا لَفْظُ (شَيْءٌ) لِتَوَغُّلِهِ في العُمُومِ، ولَمْ يَقُلْ لا يَخْفى عَلى اللَّهِ مِنهم
صفحة ١١٠
أحَدٌ أوْ لا يَخْفى عَلى اللَّهِ مِن أحَدٍ شَيْءٌ، أيْ مِن أجْزاءِ جِسْمِهِ، فالمَعْنى: لا يَخْفى عَلى اللَّهِ شَيْءٌ مِن أحْوالِهِمْ ظاهِرِها وباطِنِها.