Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿يا قَوْمِ لَكُمُ المُلْكُ اليَوْمَ ظاهِرِينَ في الأرْضِ فَمَن يَنْصُرُنا مِن بَأْسِ اللَّهِ إنْ جاءَنا﴾ .
لَمّا تَوَسَّمَ نُهُوضَ حُجَّتِهِ بَيْنَهم وأنَّها داخَلَتْ نُفُوسَهم، أمِنَ بَأْسَهم، وانْتَهَزَ فُرْصَةَ انْكِسارِ قُلُوبِهِمْ، فَصارَحَهم بِمَقْصُودِهِ مِنِ الإيمانِ بِمُوسى عَلى سُنَنِ الخُطَباءِ
صفحة ١٣٢
وأهْلِ الجَدَلِ بَعْدَ تَقْرِيرِ المُقْدِماتِ والحُجَجِ أنْ يَهْجُمُوا عَلى الغَرَضِ المَقْصُودِ، فَوَعَظَهم بِهَذِهِ المَوْعِظَةِ.وأدْخَلَ قَوْمَهُ في الخِطابِ فَناداهم لِيَسْتَهْوِيَهم إلى تَعْضِيدِهِ أمامَ فِرْعَوْنَ فَلا يَجِدُ فِرْعَوْنُ بُدًّا مِنَ الِانْصِياعِ إلى اتِّفاقِهِمْ وتَظاهُرِهِمْ، وأيْضًا فَإنَّ تَشْرِيكَ قَوْمِهِ في المَوْعِظَةِ أدْخَلُ في بابِ النَّصِيحَةِ فابْتَدَأ بِنُصْحِ فِرْعَوْنَ لِأنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ الأمْرُ والنَّهْيُ، وثَنّى بِنَصِيحَةِ الحاضِرِينَ مِن قَوْمِهِ تَحْذِيرًا لَهم مِن مَصائِبَ تُصِيبُهم مِن جَرّاءِ امْتِثالِهِمْ أمْرَ فِرْعَوْنَ بِقَتْلِ مُوسى فَإنَّ ذَلِكَ يُهِمُّهم كَما يُهِمُّ فِرْعَوْنَ. وهَذا التَّرْتِيبُ في إسْداءِ النَّصِيحَةِ نَظِيرُ التَّرْتِيبِ في قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ - «ولِأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ» .
ولا يَخْفى ما في نِدائِهِمْ بِعُنْوانِ أنَّهم قَوَّمُهُ مِنَ الِاسْتِصْغاءِ لِنُصْحِهِ وتَرْقِيقِ قُلُوبِهِمْ لِقَوْلِهِ.
وابْتِداءُ المَوْعِظَةِ بِقَوْلِهِ ﴿لَكُمُ المُلْكُ اليَوْمَ ظاهِرِينَ في الأرْضِ﴾ تَذْكِيرٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وتَمْهِيدٌ لِتَخْوِيفِهِمْ مِن غَضَبِ اللَّهِ، يَعْنِي: لا تَغُرَّنَّكم عَظَمَتُكم ومُلْكُكم فَإنَّهُما مُعَرَّضانِ لِلزَّوالِ إنْ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكم.
والمَقْصُودُ: تَخْوِيفُ فِرْعَوْنَ مِن زَوالِ مُلْكِهِ، ولَكِنَّهُ جَعَلَ المُلْكَ لِقَوْمِهِ لِتَجَنُّبِ مُواجَهَةِ فِرْعَوْنَ بِفَرْضِ زَوالِ مُلْكِهِ.
والأرْضُ: أرْضُ مِصْرَ، أيْ نافِذًا حُكْمُكم في هَذا الصُّقْعِ.
وفَرَّعَ عَلى هَذا التَّمْهِيدِ ﴿فَمَن يَنْصُرُنا مِن بَأْسِ اللَّهِ إنْ جاءَنا﴾، و(مَن) لِلِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ عَنْ كُلِّ ناصِرٍ، فالمَعْنى: فَلا نَصْرَ لَنا مِن بَأْسِ اللَّهِ.
وأدْمَجَ نَفْسَهُ مَعَ قَوْمِهِ في (يَنْصُرُنا) و(جاءَنا)، لِيُرِيَهم أنَّهُ يَأْبى لِقَوْمِهِ ما يَأْباهُ لِنَفْسِهِ وأنَّ المُصِيبَةَ إنْ حَلَّتْ لا تُصِيبُ بَعْضَهم دُونَ بَعْضٍ.
ومَعْنى (ظاهِرِينَ) غالِبِينَ، وتَقَدَّمَ آنِفًا، أيْ إنْ كُنْتُمْ قادِرِينَ عَلى قَتْلِ مُوسى فاللَّهُ قادِرٌ عَلى هَلاكِكم.
صفحة ١٣٣
والبَأْسُ: القُوَّةُ عَلى العَدْوِ والمُعانِدِ، فَهو القُوَّةُ عَلى الضُّرِّ.* * *
﴿قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكم إلّا ما أرى وما أهْدِيكم إلّا سَبِيلَ الرَّشادِ﴾ .تَفَطَّنُ فِرْعَوْنُ إلى أنَّهُ المُعَرَّضُ بِهِ في خِطابِ الرَّجُلِ المُؤْمِنِ قَوْمَهُ فَقاطَعَهُ كَلامَهُ وبَيَّنَ سَبَبَ عَزْمِهِ عَلى قَتْلِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِأنَّهُ ما عَرَضَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ إلّا لِأنَّهُ لا يَرى نَفْعًا إلّا في قَتْلِ مُوسى ولا يَسْتَصْوِبُ غَيْرَ ذَلِكَ ويَرى ذَلِكَ هو سَبِيلُ الرَّشادِ، وكَأنَّهُ أرادَ ألّا يَتْرُكَ لِنَصِيحَةِ مُؤْمِنِهِمْ مَدْخَلًا إلى نُفُوسٍ مَلَئِهِ خِيفَةَ أنْ يَتَأثَّرُوا بِنُصْحِهِ فَلا يُساعِدُوا فِرْعَوْنَ عَلى قَتْلِ مُوسى.
ولِكَوْنِ كَلامِ فِرْعَوْنَ صَدَرَ مَصْدَرَ المُقاطَعَةِ لِكَلامِ المُؤْمِنِ جاءَ فِعْلُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ مَفْصُولًا غَيْرَ مَعْطُوفٍ وهي طَرِيقَةُ حِكايَةِ المُقاوَلاتِ والمُحاوَرَةِ.
ومَعْنى (﴿ما أُرِيكُمْ﴾): ما أجْعَلُكم رائِينَ إلّا ما أراهُ لِنَفْسِي، أيْ ما أُشِيرُ عَلَيْكم بِأنْ تَعْتَقِدُوا إلّا ما أعْتَقِدُهُ، فالرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةٌ، أيْ لا أُشِيرُ إلّا بِما هو مُعْتَقَدِي.
والسَّبِيلُ: مُسْتَعارٌ لِلْعَمَلِ، وإضافَتُهُ إلى الرَّشادِ قَرِينَةٌ، أيْ ما أهْدِيكم وأُشِيرُ عَلَيْكم إلّا بِعَمَلٍ فِيهِ رَشادٌ. وكَأنَّهُ يُعَرِّضُ بِأنَّ كَلامَ مُؤْمِنِهِمْ سَفاهَةُ رَأْيٍ. والمَعْنى الحاصِلُ مِنَ الجُمْلَةِ الثّانِيَةِ غَيْرُ المَعْنى الحاصِلِ مِنَ الجُمْلَةِ الأُولى كَما هو بَيِّنٌ وكَما هو مُقْتَضى العَطْفِ.