﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا ولَنُذِيقَنَّهم مِن عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ .

تَفْرِيعٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ويَوْمَ يُنادِيهِمْ أيْنَ شُرَكائِي﴾ [فصلت: ٤٧] وما اتَّصَلَ بِها؛ أيْ فَلَنُعْلِمَنَّهم بِما عَمِلُوا عَلَنًا يَعْلَمُونَ بِهِ أنّا لا يَخْفى عَلَيْنا شَيْءٌ مِمّا عَمِلُوهُ وتَقْرِيعًا لَهم.

وقَوْلُ الَّذِينَ كَفَرُوا إظْهارٌ في مَقامِ الإضْمارِ، ومُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ: ولَنُنَبِّئَنَّهم بِما عَمِلُوا، فَعَدَلَ إلى المَوْصُولِ وصِلَتِهِ لِما تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِن عِلَّةِ اسْتِحْقاقِهِمُ الإذاقَةَ بِما عَمِلُوا وإذاقَةَ العَذابِ. وقَوْلُهُ: ﴿ولَنُذِيقَنَّهم مِن عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ هو المَقْصُودُ مِنَ التَّفْرِيعِ.

والغَلِيظُ حَقِيقَتُهُ: الصُّلْبُ، قالَ تَعالى: ﴿فاسْتَغْلَظَ فاسْتَوى عَلى سُوقِهِ﴾ [الفتح: ٢٩]، وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِلْقَوِيِّ في نَوْعِهِ، أيْ عَذابٍ شَدِيدِ الإيلامِ والتَّعْذِيبِ، كَما اسْتُعِيرَ لِلْقَساوَةِ في المُعامَلَةِ في قَوْلِهِ: واغْلُظْ عَلَيْهِمْ وقَوْلِهِ: ﴿ولْيَجِدُوا فِيكم غِلْظَةً﴾ [التوبة: ١٢٣] .

الإذاقَةُ: مَجازٌ في مُطْلَقِ الإصابَةِ في الحِسِّ لِإطْماعِهِمْ أنَّها إصابَةٌ خَفِيفَةٌ كَإصابَةِ الذَّوْقِ بِاللِّسانِ. وهَذا تَجْرِيدٌ لِلْمَجازِ كَما أنَّ وصْفَهُ بِالغَلِيظِ تَجْرِيدٌ ثانٍ فَحَصَلَ مِن ذَلِكَ ابْتِداءٌ مُطْمِعٌ وانْتِهاءٌ مُؤْيِسٌ.