Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهم أُمَّةً واحِدَةً ولَكِنْ يُدْخِلُ مَن يَشاءُ في رَحْمَتِهِ والظّالِمُونَ ما لَهم مَن ولِيٍّ ولا نَصِيرٍ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وفَرِيقٌ في السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] . والغَرَضُ مِن هَذا العَطْفِ إفادَةُ أنَّ كَوْنَهم فَرِيقَيْنِ أمْرٌ شاءَ اللَّهُ تَقْدِيرَهُ، أيْ أوْجَدَ أسْبابَهُ بِحِكْمَتِهِ ولَوْ شاءَ لَقَدَّرَ أسْبابَ اتِّحادِهِمْ عَلى عَقِيدَةٍ واحِدَةٍ مِنَ الهُدى فَكانُوا سَواءً في المَصِيرِ، والمُرادُ: لَكانُوا جَمِيعًا في الجَنَّةِ.
وهَذا مَسُوقٌ لِتَسْلِيَةِ الرَّسُولِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ عَلى تَمَنِّيهِمْ أنْ يَكُونَ النّاسُ كُلُّهم مُهْتَدِينَ ويَكُونَ جَمِيعُهم في الجَنَّةِ، وبِذَلِكَ تَعْلَمُ أنْ لَيْسَ المُرادُ: لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهم أُمَّةً واحِدَةً في الأمْرَيْنِ: الهُدى والضَّلالِ، لَأنَّ هَذا الشِّقَّ الثّانِيَ لا يَتَعَلَّقُ الغَرَضُ بِبَيانِهِ هُنا وإنْ كانَ في نَفْسِ الأمْرِ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَكانَ. فَتَأْوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ بِما جاءَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ولَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ﴾ [السجدة: ١٣] وقَوْلِهِ: ﴿ولَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن في الأرْضِ كُلُّهم جَمِيعًا أفَأنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٩٩] .
وقَدْ دَلَّ عَلى ذَلِكَ الِاسْتِدْراكُ الَّذِي في قَوْلِهِ: ﴿ولَكِنْ يُدْخِلُ مَن يَشاءُ في رَحْمَتِهِ﴾
صفحة ٣٩
أيْ ولَكِنْ شاءَ مَشِيئَةً أُخْرى جَرَتْ عَلى وفْقِ حِكْمَتِهِ، وهي أنْ خَلَقَهم قابِلَيْنِ لِلْهُدى والضَّلالِ بِتَصارِيفِ عُقُولِهِمْ وأمْيالِهِمْ، ومَكَّنَهم مِن كَسْبِ أفْعالِهِمْ وأوْضَحَ لَهم طَرِيقَ الخَيْرِ وطَرِيقَ الشَّرِّ بِالتَّكْلِيفِ فَكانَ مِنهُمُ المُهْتَدُونَ وهُمُ الَّذِينَ شاءَ اللَّهُ إدْخالَهم في رَحْمَتِهِ، ومِنهُمُ الظّالِمُونَ الَّذِينَ ما لَهم مِن ولِيٍّ ولا نَصِيرٍ.فَقَوْلُهُ: ﴿يُدْخِلُ مَن يَشاءُ في رَحْمَتِهِ﴾ أحَدُ دَلِيلَيْنِ عَلى المَعْنى المُسْتَدْرَكِ؛ إذِ التَّقْدِيرُ: ولَكِنَّهُ جَعَلَهم فَرِيقَيْنِ: فَرِيقًا في الجَنَّةِ وفَرِيقًا في السَّعِيرِ لِيُدْخِلَ مَن يَشاءُ مِنهم في رَحْمَتِهِ وهي الجَنَّةُ. وأفْهَمَ ذَلِكَ أنَّهُ يُدْخِلُ مِنهُمُ الفَرِيقَ الآخَرَ في عِقابِهِ، فَدَلَّ عَلَيْهِ أيْضًا بَقَوْلِهِ: ﴿والظّالِمُونَ ما لَهم مِن ولِيٍّ ولا نَصِيرٍ﴾ لِأنَّ نَفْيَ النَّصِيرِ كِنايَةٌ عَنْ كَوْنِهِمْ في بُؤْسٍ وضُرٍّ ومَغْلُوبِيَّةٍ بِحَيْثُ يَحْتاجُونَ إلى نَصِيرٍ لَوْ كانَ لَهم نَصِيرٌ، فَيَدْخُلُ في الظّالِمِينَ مُشْرِكُو أهْلِ مَكَّةَ دُخُولًا أوَّلِيًّا لِأنَّهم سَبَبُ وُرُودِ هَذا العُمُومِ.
وأصْلُ النَّظْمِ: ويُدْخِلُ مَن يَشاءُ في غَضَبِهِ، فَعَدَلَ عَنْهُ إلى ما في الآيَةِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ سَبَبَ إدْخالِهِمْ في غَضَبِهِ هو ظُلْمُهم، أيْ شِرْكُهم ﴿إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] مَعَ إفادَةِ أنَّهم لا يَجِدُونَ ولِيًّا يَدْفَعُ عَنْهم غَضَبَهُ ولا نَصِيرًا يَثْأرُ لَهم. وضَمِيرُ (جَعَلَهم) عائِدٌ إلى فَرِيقِ الجَنَّةِ وفَرِيقِ السَّعِيرِ بِاعْتِبارِ أفْرادِ كُلِّ فَرِيقٍ.