﴿فاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأطاعُوهُ إنَّهم كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ﴾ أيْ فَتَفَرَّعَ عَنْ نِداءِ فِرْعَوْنَ قَوْمَهُ أنْ أثَّرَ بِتَمْوِيهِهِ في نُفُوسِ مَلَئِهِ فَعَجَّلُوا بِطاعَتِهِ بَعْدَ أنْ كانُوا مُتَهَيِّئِينَ لِاتِّباعِ مُوسى لَمّا رَأوُا الآياتِ. فالخِفَّةُ مُسْتَعارَةٌ لِلِانْتِقالِ مِن حالَةِ التَّأمُّلِ في خَلْعِ طاعَةِ فِرْعَوْنَ والتَّثاقُلِ في اتِّباعِهِ إلى التَّعْجِيلِ بِالِامْتِثالِ لَهُ كَما يَخِفُّ الشَّيْءُ بَعْدَ التَّثاقُلِ.

والمَعْنى يَرْجِعُ إلى أنَّهُ اسْتَخَفَّ عُقُولَهم فَأسْرَعُوا إلى التَّصْدِيقِ بِما قالَهُ بَعْدَ أنْ صَدَّقُوا مُوسى في نُفُوسِهِمْ لَمّا رَأوْا آياتِهِ نُزُولًا ورَفْعًا. والمُرادُ بِـ ”قَوْمَهُ“ هُنا بَعْضُ القَوْمِ، وهُمُ الَّذِينَ حَضَرُوا مَجْلِسَ دَعْوَةِ مُوسى هَؤُلاءِ هُمُ المَلَأُ الَّذِينَ كانُوا في صُحْبَةِ فِرْعَوْنَ.

والسِّينُ والتّاءُ في اسْتَخَفَّ لِلْمُبالَغَةِ في أخَفَّ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّما اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ﴾ [آل عمران: ١٥٥] وقَوْلُهم: هَذا فِعْلٌ يَسْتَفِزُّ غَضَبَ الحَلِيمِ.

وجُمْلَةُ ”﴿إنَّهم كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ﴾“ في مَوْضِعِ العِلَّةِ لِجُمْلَةٍ فَأطاعُوهُ كَما هو شَأْنُ (إنَّ) إذا جاءَتْ في غَيْرِ مَقامِ التَّأْكِيدِ فَإنَّ كَوْنَهم قَدْ كانُوا فاسْقِينَ أمْرٌ بَيَّنَ ضَرُورَةَ أنَّ مُوسى جاءَهم فَدَعاهم إلى تَرْكِ ما كانُوا عَلَيْهِ مِن عِبادَةِ الأصْنامِ فَلا يَقْتَضِي في المَقامِ تَأْكِيدَ كَوْنِهِمْ فاسِقِينَ، أيْ كافِرِينَ. والمَعْنى: أنَّهم إنَّما خَفُّوا لِطاعَةِ رَأْسِ الكُفْرِ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالكُفْرِ لِأنَّهم كانُوا يُؤَلِّهُونَ فِرْعَوْنَ فَلَمّا حَصَلَ

صفحة ٢٣٤

لَهم تَرَدُّدٌ في شَأْنِهِ بِبِعْثَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَلْبَثُوا أنْ رَجَعُوا إلى طاعَةِ فِرْعَوْنَ بِأدْنى سَبَبٍ.

والمُرادُ بِالفِسْقِ هُنا: الكُفْرُ، كَما قالَ في شَأْنِهِمْ في آيَةِ الأعْرافِ ﴿سَأُرِيكم دارَ الفاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥] .