﴿إنّا كاشِفُو العَذابِ قَلِيلًا إنَّكم عائِدُونَ﴾ يَجِيءُ عَلى ما فَسَّرَ بِهِ جَمِيعُ المُفَسِّرِينَ قَوْلُهُ رَبَّنا اكْشِفْ عَنّا العَذابَ، أنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ جَوابٌ لِسُؤالِهِمْ، ويَجِيءُ عَلى ما دَرَجْنا عَلَيْهِ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الجُمْلَةُ إعْلامًا لِلنَّبِيءِ ﷺ بِأنْ يَكْشِفَ العَذابَ المُتَوَعَّدَ بِهِ المُشْرِكُونَ مُدَّةً، فَيَعُودُونَ إلى ما كانُوا فِيهِ، وعَلَيْهِ فَضَمِيرُ إنَّكم عائِدُونَ التِفاتٌ إلى خِطابِ المُشْرِكِينَ، أيْ يُمْسِكُونَ عَنْ ذَلِكَ مُدَّةً وهي المُدَّةُ الَّتِي أرْسَلُوا فِيها وفْدَهم إلى المَدِينَةِ لِيَسْألَ الرَّسُولُ ﷺ أنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِكَشْفِ القَحْطِ عَنْهم فَإنَّهم أيّامَئِذٍ يُمْسِكُونَ عَنِ الطَّعْنِ والذَّمِّ رَجاءَ أنْ يَدْعُوَ لَهم ثُمَّ يَعُودُونَ لِما كانُوا فِيهِ، كَما قالَ تَعالى ﴿وإذا مَسَّ الإنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبًا إلَيْهِ ثُمَّ إذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُو إلَيْهِ مِن قَبْلُ وجَعَلَ لِلَّهِ أنْدادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الزمر: ٨] كَما اقْتَضى أنَّ العَذابَ عائِدٌ إلَيْهِمْ بَعْدَ عَوْدَتِهِمْ إلى ما كانُوا فِيهِ مِن أسْبابِ إصابَتِهِمْ بِالعَذابِ.

فَمَعْنى ﴿إنّا كاشِفُوا العَذابِ﴾: إنّا كاشِفُوهُ في المُسْتَقْبَلِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ فارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ المُقْتَضِي أنَّهُ يَحْصُلُ في المُسْتَقْبَلِ، والآيَةُ

صفحة ٢٩٣

مُتَّصِلٌ بَعْضُها بِبَعْضٍ وكَذَلِكَ مَعْنى إنَّكم عائِدُونَ، أيْ في المُسْتَقْبَلِ. واسْمُ الفاعِلِ يَكُونُ مُرادًا بِهِ الحُصُولُ في المُسْتَقْبَلِ بِالقَرِينَةِ.

رُوِيَ أنَّهم كُشِفَ عَنْهُمُ القَحْطُ بَعْدَ اسْتِسْقاءِ النَّبِيءِ ﷺ، فَحَيَوْا وحَيِيَتْ أنْعامُهم ثُمَّ عادُوا فَعاوَدَهُمُ القَحْطُ كَمالَ سَبْعِ سِنِينَ، ولَعَلَّها عَقِبَها فَتْحُ مَكَّةَ.

وجُمْلَةُ ﴿إنَّكم عائِدُونَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِأنَّهم إذا سَمِعُوا إنّا كاشِفُوا العَذابِ قَلِيلًا تَطَلَّعُوا إلى ما سَيَكُونُ بَعْدَ كَشْفِهِ، وتَطَلَّعَ المُؤْمِنُونَ إلى ما تَصِيرُ إلَيْهِ حالُ المُشْرِكِينَ بَعْدَ كَشْفِ العَذابِ هَلْ يُقْلِعُونَ عَنِ الطَّعْنِ فَكانَ قَوْلُهُ إنَّكم عائِدُونَ مُبَيِّنًا لِما يَتَساءَلُونَ عَنْهُ.