Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصْواتَهم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهم لِلتَّقْوى لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ﴾
عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «لَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] كانَ أبُو بَكْرٍ لا يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ إلّا كَأخِي السِّرارِ، أيْ مُصاحِبِ السِّرِّ مِنَ الكَلامِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصْواتَهم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ» . فَهَذِهِ الجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِأنَّ التَّحْذِيرَ الَّذِي في قَوْلِهِ: ﴿أنْ تَحْبَطَ أعْمالُكُمْ﴾ [الحجرات: ٢] إلَخْ يُثِيرُ في النَّفْسِ أنْ يَسْألَ سائِلٌ عَنْ ضِدِّ حالِ الَّذِي يَرْفَعُ صَوْتَهُ.
وافْتِتاحُ الكَلامِ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِلِاهْتِمامِ بِمَضْمُونِهِ مِنَ الثَّناءِ عَلَيْهِمْ وجَزاءِ عَمَلِهِمْ، وتُفِيدُ الجُمْلَةُ تَعْلِيلَ النَّهْيَيْنِ بِذِكْرِ الجَزاءِ عَنْ ضِدِّ المَنهِيِّ عَنْهُما وأكَّدَ هَذا الِاهْتِمامَ بِاسْمِ الإشارَةِ في قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهم لِلتَّقْوى﴾ مَعَ ما في اسْمِ الإشارَةِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلى أنَّ المُشارَ إلَيْهِمْ جَدِيرُونَ بِالخَبَرِ المَذْكُورِ بَعْدَهُ لِأجْلِ ما ذُكِرَ مِنَ الوَصْفِ قَبْلَ اسْمِ الإشارَةِ.
وإذْ قَدْ عَلِمْتَ آنِفًا أنَّ مُحَصِّلَ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿لا تَرْفَعُوا أصْواتَكُمْ﴾ [الحجرات: ٢] وقَوْلِهِ: ﴿ولا تَجْهَرُوا﴾ [الحجرات: ٢] الأمْرُ بِخَفْضِ الصَّوْتِ عِنْدَ النَّبِيءِ ﷺ يَتَّضِحُ لَكَ وجْهُ العُدُولِ عَنْ نَوْطِ
صفحة ٢٢٣
الثَّناءِ هُنا بِعَدَمِ رَفْعِ الصَّوْتِ وعَدَمِ الجَهْرِ عِنْدَ الرَّسُولِ ﷺ إلى نَوْطِهِ بِغَضِّ الصَّوْتِ عِنْدَهُ.والغَضُّ حَقِيقَتُهُ: خَفْضُ العَيْنِ، أيْ أنْ لا يُحَدِّقَ بِها إلى الشَّخْصِ وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِخَفْضِ الصَّوْتِ والمِيلِ بِهِ إلى الإسْرارِ.
والِامْتِحانُ: الِاخْتِبارُ والتَّجْرِبَةُ، وهو افْتِعالٌ مِن مَحَنَهُ، إذا اخْتَبَرَهُ، وصِيغَةُ الِافْتِعالِ فِيهِ لِلْمُبالَغَةِ، كَقَوْلِهِمْ: اضْطَرَّهُ إلى كَذا.
واللّامُ في قَوْلِهِ ”لِلتَّقْوى“ لامُ العِلَّةِ، والتَّقْدِيرُ: امْتَحَنَ قُلُوبَهم لِأجْلِ التَّقْوى، أيْ لِتَكُونَ فِيها التَّقْوى، أيْ لِيَكُونُوا أتْقِياءَ، يُقالُ: امْتُحِنَ فُلانٌ لِلشَّيْءِ الفُلانِيِّ كَما يُقالُ: جُرِّبَ لِلشَّيْءِ ودُرِّبَ لِلنُّهُوضِ بِالأمْرِ، أيْ فَهو مُضْطَلِعٌ بِهِ لَيْسَ بِوانٍ عَنْهُ، فَيَجُوزُ أنْ يَجْعَلَ الِامْتِحانَ كِنايَةً عَلى تَمَكُّنِ التَّقْوى مِن قُلُوبِهِمْ وثَباتِهِمْ عَلَيْها بِحَيْثُ لا يُوجِدُونَ في حالٍ ما غَيْرَ مُتَّقِينَ وهي كِنايَةٌ تَلْوِيحِيَّةٌ لِكَوْنِ الِانْتِقالِ بَعْدَهُ لَوازِمُ، ويَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ فِعْلُ ”امْتَحَنَ“ مَجازًا مُرْسَلًا عَنِ العِلْمِ، أيْ عِلْمِ اللَّهِ أنَّهم مُتَّقُونَ، وعَلَيْهِ فَتَكُونُ اللّامُ مِن قَوْلِهِ: ”لِلتَّقْوى“ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ هو حالٌ مِن قُلُوبٍ، أيْ كائِنَةً لِلتَّقْوى، فاللّامُ لِلِاخْتِصاصِ.
وجُمْلَةُ ﴿لَهم مَغْفِرَةٌ﴾ خَبَرُ (إنَّ) وهو المَقْصُودُ مِن هَذِهِ مِنَ الجُمْلَةِ المُسْتَأْنِفَةِ وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِهِ. وجَعَلَ في الكَشّافِ خَبَرَ (إنَّ) هو اسْمُ الإشارَةِ مَعَ خَبَرِهِ وجَعَلَ جُمْلَةَ ”لَهم“ مُسْتَأْنَفَةً ولِكُلٍّ وجْهٌ فانْظُرْهُ.
وقالَ: وهَذِهِ الآيَةُ بِنَظْمِها الَّذِي رُتِّبَتْ عَلَيْهِ مِن إيقاعِ الغاضِّينَ أصْواتَهُمُ اسْمًا لِـ " (إنَّ) المُؤَكِّدَةِ وتَصْيِيرُ خَبَرِها جُمْلَةً مِن مُبْتَدَأٍ وخَبَرٍ مَعْرِفَتَيْنِ مَعًا. والمُبْتَدَأُ اسْمُ الإشارَةِ، واسْتِئْنافُ الجُمْلَةِ المُسْتَوْدَعَةِ ما هو جَزاؤُهم عَلى عَمَلِهِمْ، وإيرادُ الجَزاءِ نَكِرَةً مُبْهَمًا أمْرُهُ ناظِرَةً في الدَّلالَةِ عَلى غايَةِ الِاعْتِدادِ والِارْتِضاءِ لِما فَعَلَ الَّذِينَ وقَّرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وفي الإعْلامِ بِمَبْلَغِ عِزَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وقَدْرِ شَرَفِ مَنزِلَتِهِ اهـ.
وهَذا الوَعْدُ والثَّناءُ يَشْمَلانِ ابْتِداءَ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ إذْ كانَ كِلاهُما يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَأخِي السِّرارِ.