Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكْرامِ﴾ .
إيذانٌ بِانْتِهاءِ الكَلامِ وفَذْلَكَةً لِما بُنِيَتْ عَلَيْهِ السُّورَةُ مِنَ التَّذْكِيرِ بِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعالى ونَعْمائِهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ.
والكَّلامُ: إنْشاءُ ثَناءٍ عَلى اللَّهِ تَعالى مَبالِغٍ فِيهِ بِصِيغَةِ التَّفَعُّلِ الَّتِي إذا كانَ فِعْلُها غَيْرَ صادِرٍ مِنِ اثْنَيْنِ فالمَقْصُودُ مِنها المُبالَغَةُ.
والمَعْنى: وصَفُهُ تَعالى بِكَمالِ البَرَكَةِ، والبَرَكَةُ: الخَيْرُ العَظِيمُ والنَّفْعُ، وقَدْ تُطْلَقُ البَرَكَةُ عَلى عُلُوِّ الشَّأْنِ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ في أوَّلِ سُورَةِ الفُرْقانِ.
والاِسْمُ ما دَلَّ عَلى ذاتٍ سَواءَ كانَ عَلَمًا مِثْلَ لَفْظِ اللَّهِ أوْ كانَ صِفَةً مِثْلَ الصِّفاتِ العُلى وهي الأسْماءُ الحُسْنى، فَأيُّ اسْمٍ قَدَّرْتَ مِن أسْماءِ اللَّهِ فَهو دالٌّ عَلى ذاتِ اللَّهِ تَعالى.
وأسْنَدَ تَبارَكَ إلى اسْمٍ وهو ما يُعْرَفُ بِهِ المُسَمّى دُونَ أنْ يَقُولَ: تَبارَكَ رَبُّكَ، كَما قالَ ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقانَ﴾ [الفرقان: ١] وكَما قالَ ﴿فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] قَصَدَ المُبالَغَةَ في قَوْلِهِ تَعالى بِصِفَةِ البَرَكَةِ عَلى طَرِيقَةِ الكِنايَةِ لِأنَّها أبْلَغُ مِنَ التَّصْرِيحِ كَما هو مُقَرَّرٌ في عِلْمِ المَعانِي، وأطْبَقَ عَلَيْهِ البُلَغاءُ لِأنَّهُ إذا كانَ اسْمُهُ قَدْ تَبارَكَ فَإنَّ ذاتَهُ تَبارَكَتْ لا مَحالَةَ لِأنَّ الاِسْمَ دالٌّ عَلى المُسَمّى، وهَذا عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى﴾ [الأعلى: ١] فَإنَّهُ إذا كانَ التَّنْزِيهُ مُتَعَلِّقًا بِاسْمِهِ فَتَعَلُّقُ التَّنْزِيهِ بِذاتِهِ أوْلى ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وثِيابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: ٤] عَلى التَّأْوِيلِ الشّامِلِ، وقَوْلُ عَنْتَرَةَ:
فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الأصَمِّ ثِيابَهُ لَيْسَ الكَرِيمُ عَلى القَنا بِمُحْرِمٍ
أرادَ فَشَكَكْتُهُ بِالرُّمْحِ.صفحة ٢٧٧
وأمّا قَوْلُهُ ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ﴾ [الواقعة: ٧٤] فَهو يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن قَبِيلِ ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ [النصر: ٣] عَلى أنَّ المُرادَ أنْ يَقُولَ كَلامًا فِيهِ تَنْزِيهٌ لِلَّهِ فَيَكُونُ مِن قَبِيلِ قَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ويَحْتَمِلُ زِيادَةَ الباءِ فَيَكُونُ مُساوِيًا لِقَوْلِهِ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى﴾ [الأعلى: ١] .وهَذِهِ الكِنايَةُ مِن دَقائِقِ الكَلامِ كَقَوْلِهِمْ: لا يَتَعَلَّقُ الشَّكُّ بِأطْرافِهِ وقَوْلِ. . .:
يَبِيتُ بِنَجاةٍ مِنَ اللُّؤْمِ بَيْتُها ∗∗∗ إذا ما بُيُوتٌ بِالمَلامَةِ حَلَّتْ
ونَظِيرُ هَذا في التَّنْزِيهِ أنَّ القُرْآنَ يَقْرَأُ ألْفاظَهُ مِن لَيْسَ بِمُتَوَضِّئٍ ولا يُمْسِكُ المُصْحَفَ إلّا المُتَوَضِّئُ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهاءِ.فَذِكْرُ (اسْمُ) في قَوْلِهِ ﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ مُراعًى فِيهِ أنَّ ما عُدِّدَ مِن شُئُونِ اللَّهِ تَعالى ونِعَمِهِ وإفْضالِهِ لا تُحِيطُ بِهِ العِبارَةُ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِهَذِهِ المُبالَغَةِ إذْ هي أقْصى ما تَسْمَحُ بِهِ اللُّغَةُ في التَّعْبِيرِ، لِيَعْلَمَ النّاسُ أنَّهم مَحْقُوقُونَ لِلَّهِ تَعالى بِشُكْرٍ يُوازِي عِظَمَ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ.
وفِي اسْتِحْضارِ الجَلالَةِ بِعُنْوانِ (رَبِّ) مُضافًا إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِ وهو النَّبِيءُ ﷺ إشارَةٌ إلى ما في مَعْنى الرَّبِّ مِنَ السِّيادَةِ المَشُوبَةِ بِالرَّأْفَةِ والتَّنْمِيَةِ، وإلى ما في الإضافَةِ مِنَ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ المُضافِ إلَيْهِ وإلى كَوْنِ النَّبِيءِ ﷺ هو الواسِطَةُ في حُصُولِ تِلْكَ الخَيِّراتِ لِلَّذِينِ خافُوا مَقامَ رَبِّهِمْ بِما بَلَّغَهُمُ النَّبِيءُ ﷺ مِنَ الهُدى.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (ذِي الجَلالِ) بِالياءِ مَجْرُورًا صِفَةً لِ رَبِّكَ وهو كَذَلِكَ مَرْسُومٌ في غَيْرِ المُصْحَفِ الشّامِيِّ. وقَرَأهُ، ابْنُ عامِرٍ، (ذُو الجَلالِ) صِفَةً لِ (اسْمُ) كَما في قَوْلِهِ ﴿ويَبْقى وجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ والإكْرامِ﴾ [الرحمن: ٢٧] . وكَذَلِكَ هو مَرْسُومٌ في غَيْرِ مُصْحَفِ أهْلِ الشّامِ. والمَعْنى واحِدٌ عَلى الاِعْتِبارَيْنِ.
ولَكِنَّ إجْماعَ القُرّاءِ عَلى رَفْعِ (ذُو الجَلالِ) الواقِعِ مَوْقِعَ ﴿ويَبْقى وجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٢٧] واخْتِلافُ الرِّوايَةِ في جَرِّ ﴿ذِي الجَلالِ﴾ هُنا يُشْعِرُ بِأنَّ لَفْظَ (وجْهُ) أقْوى دَلالَةٍ عَلى الذّاتِ مَن لَفْظِ (اسْمُ) لِما عَلِمْتَ مِن جَوازِ أنْ يَكُونَ المَعْنى جَرَيانَ البَرَكَةِ
صفحة ٢٧٨
عَلى التَّلَفُّظِ بِأسْماءِ اللَّهِ بِخِلافِ قَوْلِهِ ﴿ويَبْقى وجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٢٧] فَذَلِكَ مِن حِكْمَةِ إنْزالِ القُرْآنِ عَلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ.والجَلالُ: العَظَمَةُ، وهو جامِعٌ لِصِفاتِ الكَمالِ اللّائِقَةِ بِهِ تَعالى. والإكْرامُ: إسْداءُ النِّعْمَةِ والخَيْرِ، فَهو إذْنٌ حَقِيقٌ بِالثَّناءِ والشُّكْرِ.
* * *
صفحة ٢٧٩
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الواقِعَةِ سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ الواقِعَةُ بِتَسْمِيَةِ النَّبِيءِ ﷺ .رَوى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ أبُو بَكْرٍ يا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتُ، قالَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ، والواقِعَةُ، والمُرْسَلاتُ، وعَمَّ يَتَساءَلُونَ، وإذا الشَّمْسُ كَوِّرَتْ» وقالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ورَوى ابْنُ وهْبٍ، والبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «مَن قَرَأ سُورَةَ الواقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فاقَةٌ أبَدًا»، وكَذَلِكَ سُمِّيَتْ في عَصْرِ الصَّحابَةِ. رَوى أحْمَدُ «عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقْرَأُ في الفَجْرِ الواقِعَةَ ونَحْوَها مِنَ السُّورِ» .
وهَكَذا سُمِّيَتْ في المَصاحِفِ وكُتُبِ السُّنَّةِ فَلا يُعْرَفُ لَها اسْمٌ غَيْرُ هَذا.
وهِيَ مَكِّيَّةٌ قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: بِاجْتِماعِ مَن يَعْتَدُّ بِهِ مِنَ المُفَسِّرِينَ. وقِيلَ فِيها آياتٌ مَدَنِيَّةٌ، أيْ نَزَلَتْ في السَّفَرِ، وهَذا كُلُّهُ غَيْرُ ثابِتٍ اهـ. وقالَ القُرْطُبِيُّ: عَنْ قَتادَةَ، وابْنِ عَبّاسٍ اسْتِثْناءُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨٢] نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ.
وقالَ الكَلْبِيُّ: إلّا أرْبَعَ آياتٍ: اثْنَتانِ نَزَلَتا في سَفَرِ النَّبِيءِ ﷺ إلى مَكَّةَ وهُما ﴿أفَبِهَذا الحَدِيثِ أنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ [الواقعة: ٨١] ﴿وتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨٢]، واثْنَتانِ نَزَلَتا في سَفَرِهِ إلى المَدِينَةِ وهُما ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ﴾ [الواقعة: ٣٩] ﴿وثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ [الواقعة: ٤٠] وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّها نَزَلَتْ في غَزْوَةِ تَبُوكَ.
صفحة ٢٨٠
وهِيَ السُّورَةُ السّادِسَةُ والأرْبَعُونَ في تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ عِنْدَ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ طه وقَبْلَ سُورَةِ الشُّعَراءِ.وقَدْ عَدَّ أهْلُ المَدِينَةِ ومَكَّةَ والشّامِ آيُّها تِسْعًا وتِسْعِينَ وعَدَّها أهَّلُ البَصْرَةِ سَبْعًا وتِسْعِينَ وأهْلُ الكُوفَةِ سِتًّا وتِسْعِينَ.
وهَذِهِ السُّورَةُ جامِعَةٌ لِلتَّذْكِيرِ قالَ مَسْرُوقٌ: مَن أرادَ أنْ يَعْلَمَ نَبَأً الأوَّلِينَ والآخِرِينَ ونَبَأً أهْلِ الجَنَّةِ ونَبَأً أهْلِ النّارِ ونَبَأً أهْلِ الدُّنْيا ونَبَأً أهْلِ الآخِرَةِ فَلْيَقْرَأْ سُورَةَ الواقِعَةِ اهـ.
* * *
التَّذْكِيرُ بِيَوْمِ القِيامَةِ وتَحْقِيقُ وُقُوعِهِ.ووَصْفُ ما يُعْرَضُ وهَذا العالِمِ الأرْضِيِّ عِنْدَ ساعَةِ القِيامَةِ.
ثُمَّ صِفَةُ أهْلِ الجَنَّةِ وبَعْضُ نَعِيمِهِمْ.
وصِفَةُ أهْلِ النّارِ وما هم فِيهِ مِنَ العَذابِ وأنَّ ذَلِكَ لِتَكْذِيبِهِمْ بِالبَعْثِ. وإثْباتُ الحَشْرِ والجَزاءِ والاِسْتِدْلالِ عَلى إمْكانِ الخَلْقِ الثّانِي بِما أبْدَعَهُ اللَّهُ مِنَ المَوْجُوداتِ بَعْدَ أنْ لَمْ تَكُنْ.
والاِسْتِدْلالُ بِدَلائِلِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى.
والاِسْتِدْلالُ بِنَزْعِ اللَّهِ الأرْواحَ مِنَ الأجْسادِ والنّاسُ كارِهُونَ لا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ مَنَعَها مِنَ الخُرُوجِ، عَلى أنَّ الَّذِي قَدِرَ عَلى نَزْعِها بِدُونِ مُدافِعٍ قادِرٌ عَلى إرْجاعِها مَتى أرادَ أنْ يُمِيتَهم.
وتَأْكِيدُ أنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ وأنَّهُ نِعْمَةٌ أنْعَمَ بِها عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَشْكُرُوها وكَذَّبُوا بِما فِيهِ.