﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهم ولَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ﴾ .

بَيانٌ لِجُمْلَةِ ﴿واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ [الحشر: ١١] .

واللّامُ مُوطِئَةٌ لِلْقَسَمِ وهَذا تَأْكِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى لِرَسُولِهِ ﷺ أنَّهم لَنْ يَضُرُّوهُ شَيْئًا لِكَيْلا يَعْبَأ بِما بَلَغَهُ مِن مَقالَتِهِمْ.

وضَمِيرُ (أُخْرِجُوا) و(قُوتِلُوا) عائِدانِ إلى الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ، أيِ الَّذِينَ لَمْ يَخْرُجُوا ولَمّا يُقاتِلُوا وهم قُرَيْظَةُ وخَيْبَرُ، أمّا بَنُو النَّضِيرِ فَقَدْ أُخْرِجُوا قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ فَهم غَيْرُ مَعْنِيِّينَ بِهَذا الخَبَرِ المُسْتَقْبَلِ. والمَعْنى: لَئِنْ أُخْرِجَ بَقِيَّةُ اليَهُودِ في المُسْتَقْبَلِ لا يَخْرُجُونَ مَعَهم ولَئِنْ قُوتِلُوا في المُسْتَقْبَلِ لا يَنْصُرُونَهم. وقَدْ سَلَكَ في هَذا البَيانِ طَرِيقَ الإطْنابِ. فَإنَّ قَوْلَهُ ﴿واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ [الحشر: ١١] جَمَعَ ما في هاتَيْنِ الجُمْلَتَيْنِ فَجاءَ بَيانُهُ بِطَرِيقَةِ الإطْنابِ لِزِيادَةِ تَقْرِيرِ كَذِبِهِمْ.

* * *

﴿ولَئِنْ نَصَرُوهم لَيُوَلُّنَّ الأدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ﴾ .

ارْتِقاءٌ في تَكْذِيبِهِمْ عَلى ما وعَدُوا بِهِ إخْوانَهم، والواوُ واوُ الحالِ ولَيْسَتْ واوَ العَطْفِ.

وفِعْلُ نَصَرُوهم إرادَةُ وُقُوعَ الفِعْلِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ﴿لَيُوَلُّنَّ الأدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ﴾ فَيَكُونُ إطْلاقُ الفِعْلِ عَلى إرادَتِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦]

صفحة ١٠١

الآيَةَ وقَوْلِهِ ﴿فَإذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: ٩٨] .

وقَوْلِهِ تَعالى ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ﴾ [البقرة: ٢٢٦]، أيْ يُرِيدُونَ العَوْدَ إلى ما امْتَنَعُوا مِنهُ بِالإيلاءِ. والمَعْنى: أنَّهُ لَوْ فُرِضَ أنَّهم أرادُوا نَصْرَهم فَإنَّ أمْثالَهم لا يُتَرَقَّبُ مِنهُمُ الثَّباتُ في الوَغى فَلَوْ أرادُوا نَصْرَهم وتَجَهَّزُوا مَعَهم لَفَرُّوا عِنْدَ الكَرِيهَةِ وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكم ما زادُوكم إلّا خَبالًا ولَأوْضَعُوا خِلالَكُمْ﴾ [التوبة: ٤٧] .

ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ أُطْلِقَ النَّصْرُ عَلى الإعانَةِ بِالرِّجالِ والعَتادِ وهو مِن مَعْنى النَّصْرِ.

و(ثُمَّ) في قَوْلِهِ (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) لِلتَّراخِي الرُّتْبِي كَما هو شَأْنُها في عَطْفِ الجُمَلِ فَإنَّ انْتِفاءَ النَّصْرِ أعْظَمُ رُتْبَةً في تَأْيِيسِ أهْلِ الكِتابِ مِن الِانْتِفاعِ بِإعانَةِ المُنافِقِينَ فَهو أقْوى مِنَ انْهِزامِ المُنافِقِينَ إذا جاءُوا لِإعانَةِ أهْلِ الكِتابِ في القِتالِ.

والنَّصْرُ هُنا بِمَعْنى: الغَلَبُ.

وضَمِيرُ لا يُنْصَرُونَ عائِدٌ إلى الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ إذِ الكَلامُ جارٍ عَلى وعْدِ المُنافِقِينَ بِنَصْرِ أهْلِ الكِتابِ.

والمَقْصُودُ تَثْبِيتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ والمُسْلِمِينَ وتَأْمِينُهم مِن بَأْسِ أعْدائِهِمْ.