﴿فاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأصْحَبِ السَّعِيرِ﴾ الفاءُ الأُولى فَصِيحَةٌ، والتَّقْدِيرُ: إذْ قالُوا ذَلِكَ فَقَدْ تَبَيَّنَ أنَّهُمُ اعْتَرَفُوا هُنالِكَ بِذَنْبِهِمْ، أيْ فَهم مَحْقُوقُونَ بِما هم فِيهِ مِنَ العَذابِ.

والسُّحْقُ: اسْمُ مَصْدَرٍ مَعْناهُ البُعْدُ، وهو هُنا نائِبٌ عَنِ الإسْحاقِ لِأنَّهُ دُعاءٌ بِالإبْعادِ فَهو مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ نائِبٌ عَنْ فِعْلِهِ، أيْ أسْحَقَهُمُ اللَّهُ إسْحاقًا ويَجُوزُ أنْ يُرادَ مِن هَذا الدُّعاءِ التَّعَجُّبُ مِن حالِهِمْ كَما يُقالُ: قاتَلَهُ اللَّهُ، ووَيْلٌ لَهُ، في مَقامِ التَّعَجُّبِ.

والفاءُ الثّانِيَةُ لِلتَّسَبُّبِ، أيْ فَهم جَدِيرُونَ بِالدُّعاءِ عَلَيْهِمْ بِالإبْعادِ أوْ جَدِيرُونَ بِالتَّعَجُّبِ مِن بُعْدِهِمْ عَنِ الحَقِّ أوْ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى. ويَحْتَمِلُ أيْضًا أنْ يُقالَ لَهم يَوْمَ الحِسابِ عَقِبَ اعْتِرافِهِمْ، تَنْدِيمًا يَزِيدُهم ألَمًا في نُفُوسِهِمْ فَوْقَ ألَمِ الحَرِيقِ في جُلُودِهِمْ.

واللّامُ الدّاخِلَةُ عَلى (سُحْقًا) لامُ التَّقْوِيَةِ إنْ جُعِلَ (سُحْقًا) دُعاءً عَلَيْهِمْ بِالإبْعادِ؛ لِأنَّ المَصْدَرَ فَرْعٌ في العَمَلِ في الفِعْلِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اللّامُ لامَ التَّبْيِينِ

صفحة ٢٩

لِآياتِهِ، تَعَلُّقُ العامِلِ بِمَعْمُولِهِ كَقَوْلِهِمْ: شُكْرًا لَكَ، فَكُلٌّ مِن (سُحْقًا) واللّامِ المُتَعَلِّقَةِ بِهِ مُسْتَعْمَلٌ في مَعْنَيَيْهِ.

و(أصْحابِ السَّعِيرِ) يَعُمُّ المُخاطَبِينَ بِالقُرْآنِ وغَيْرَهم فَكانَ هَذا الدُّعاءُ بِمَنزِلَةِ التَّذْيِيلِ لِما فِيهِ مِنَ العُمُومِ تَبَعًا لِلْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهُ.

وقَرَأ الجُمْهُورُ (فَسُحْقًا) بِسُكُونِ الحاءِ. وقَرَأهُ الكِسائِيُّ وأبُو جَعْفَرٍ بِضَمِّ الحاءِ وهو لُغَةٌ فِيهِ وذَلِكَ لِاتِّباعِ ضَمَّةِ السِّينِ.