Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿قُلْ هو الَّذِي أنْشَأكم وجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والأبْصارَ والأفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ﴾ هَذا انْتِقالٌ مِن تَوْجِيهِ اللَّهِ تَعالى الخِطابَ إلى المُشْرِكِينَ لِلتَّبْصِيرِ بِالحُجَجِ والدَّلائِلِ وما تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنَ الوَعِيدِ أوِ التَّهْدِيدِ إلى خِطابِهِمْ عَلى لِسانِ رَسُولِهِ ﷺ بِأنْ يَقُولَ لَهم ما سَيُذْكَرُ؛ تَفَنُّنًا في البَيانِ وتَنْشِيطًا لِلْأذْهانِ حَتّى كَأنَّ الكَلامَ صَدَرَ مِن قائِلَيْنِ وتَرْفِيعًا لِقَدْرِ نَبِيهِ ﷺ بِإعْطائِهِ حَظًّا مِنَ التَّذْكِيرِ مَعَهُ كَما قالَ تَعالى ﴿فَإنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ﴾ [مريم: ٩٧] .
صفحة ٤٧
والانْتِقالُ هُنا إلى الاسْتِدْلالِ بِفُرُوعِ المَخْلُوقاتِ بَعْدَ الاسْتِدْلالِ بِأُصُولِها، ومِنَ الاسْتِدْلالِ بِفُرُوعِ أعْراضِ الإنْسانِ بَعْدَ أصْلِها، فَمِنَ الاسْتِدْلالِ بِخَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ والمَوْتِ والحَياةِ، إلى الاسْتِدْلالِ بِخَلْقِ الإنْسانِ ومَدارِكِهِ، وقَدِ أُتْبِعَ الأمْرُ بِالقَوْلِ بِخَمْسَةٍ مِثْلِهِ بِطَرِيقَةِ التَّكْرِيرِ بِدُونِ عاطِفٍ اهْتِمامًا بِما بَعْدَ كُلِّ أمْرٍ مِن مَقالَةٍ يُبَلِّغُها إلَيْهِمُ الرَّسُولَ ﷺ قالَ ﴿هُوَ الَّذِي أنْشَأكم وجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والأبْصارَ﴾ الَخْ.والضَّمِيرُ هو إلى الرَّحْمَنِ مِن قَوْلِهِ ﴿مِن دُونِ الرَّحْمَنِ﴾ [الملك: ٢٠] .
والإنْشاءُ: الإيجادُ.
وإفْرادُ السَّمْعِ؛ لِأنَّ أصْلَهُ مُصْدَرٌ، أيْ جَعَلَ لَكم حالَةَ السَّمْعِ، وأمّا الأبْصارُ فَهو جَمْعُ البَصَرِ بِمَعْنى العَيْنِ، وقَدْ تَقَدَّمَ وجْهُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وعَلى سَمْعِهِمْ وعَلى أبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ﴾ [البقرة: ٧] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
والأفْئِدَةُ القُلُوبُ، والمُرادُ بِها العُقُولُ، وهو إطْلاقٌ شائِعٌ في اسْتِعْمالِ العَرَبِ.
والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن تَعْرِيفِ المُسْنَدِ إلَيْهِ والمُسْنَدِ في قَوْلِهِ ﴿هُوَ الَّذِي أنْشَأكُمْ﴾ إلى آخِرِهِ قَصْرُ إفْرادٍ بِتَنْزِيلِ المُخاطَبِينَ لِشِرْكِهِمْ مَنزِلَةَ مَن يَعْتَقِدُ أنَّ الأصْنامَ شارَكَتِ اللَّهَ في الإنْشاءِ وإعْطاءِ الإحْساسِ والإدْراكِ.
و﴿قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ﴾ حالٌ مِن ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ، أيْ أنْعَمَ عَلَيْكم بِهَذِهِ النِّعَمِ في حالِ إهْمالِكم شُكْرَها.
و(ما) مَصْدَرِيَّةٌ والمَصْدَرُ المُنْسَبِكُ في مَوْضِعِ فاعِلِ (قَلِيلًا) لِاعْتِمادِ (قَلِيلًا) عَلى صاحِبِ حالٍ. و(قَلِيلًا) صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ.
وقَدِ اسْتُعْمِلَ قَلِيلًا في مَعْنى النَّفْيِ والعَدَمِ. وهَذا الإطْلاقٌ مِن ضُرُوبِ الكِنايَةِ والاقْتِصادِ في الحُكْمِ عَلى طَرِيقَةِ التَّمْلِيحِ وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٨٨] في البَقَرَةِ وقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلا يُؤْمِنُونَ إلّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٤٦] في سُورَةِ النِّساءِ، وتَقُولُ العَرَبُ: هَذِهِ أرْضٌ قَلَّما تَنْبُتُ.