﴿أنْ كانَ ذا مالٍ وبَنِينَ﴾ [القلم: ١٤] ﴿إذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾

صفحة ٧٦

يَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ ﴿أنْ كانَ ذا مالٍ وبَنِينَ﴾ [القلم: ١٤] بِفِعْلِ (قالَ) بِتَقْدِيرِ لامِ التَّعْلِيلِ مَحْذُوفَةٍ قَبْلَ (أنْ)، وهو حَذْفٌ مُطَّرِدٌ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الفِعْلِ ظَرْفٌ هو ﴿إذا تُتْلى﴾ ومَجْرُورٌ هو ﴿أنْ كانَ ذا مالٍ﴾ [القلم: ١٤]، ولا بِدْعَ في ذَلِكَ ولَيْسَتْ (إذا) بِشَرْطِيَّةٍ هُنا فَلا يَهُولَنَّكَ قَوْلُهم: إنَّ (ما) بَعْدَ الشَّرْطِ لا يُعْمَلُ فِيما قَبِلَهُ، عَلى أنَّها لَوْ جُعِلَتْ شَرْطِيَّةً لَما امْتَنَعَ ذَلِكَ؛ لِأنَّهم يَتَوَسَّعُونَ في المَجْرُوراتِ ما لا يَتَوَسَّعُونَ في غَيْرِها وهَذا مَجْرُورٌ بِاللّامِ المَحْذُوفَةِ.

والمُرادُ: كُلُّ مَن كانَ ذا مالٍ وبَنِينَ مِن كُبَراءِ المُشْرِكِينَ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وذَرْنِي والمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ﴾ [المزمل: ١١] . وقِيلَ: أُرِيدَ بِهِ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ إذْ هو الَّذِي اخْتَلَقَ أنْ يَقُولَ في القُرْآنِ (أساطِيرُ الأوَّلِينَ) وقَدْ عَلِمْتَ ذَلِكَ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا تُطِعْ كُلَّ حَلّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم: ١٠] . وكانَ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةَ ذا سَعَةٍ مِنَ المالِ كَثِيرُ الأبْناءِ وهو المَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿ذَرْنِي ومَن خَلَقْتُ وحِيدًا﴾ [المدثر: ١١] ﴿وجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُودًا﴾ [المدثر: ١٢] ﴿وبَنِينَ شُهُودًا﴾ [المدثر: ١٣] إلى قَوْلِهِ ﴿إنْ هَذا إلّا قَوْلُ البَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٥] . والوَجْهُ أنْ لا يَخْتَصَّ هَذا الوَصْفُ بِهِ. وأنْ يَكُونَ تَعْرِيضًا بِهِ.

والأساطِيرُ: جَمَعُ أُسْطُورَةٍ وهي القِصَّةُ، والأُسْطُورَةُ كَلِمَةٌ مُعَرَّبَةٌ عَنِ الرُّومِيَّةِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلّا أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [الأنعام: ٢٥] في الأنْعامِ وقَوْلُهُ ﴿وإذا قِيلَ لَهم ماذا أنْزَلَ رَبُّكم قالُوا أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [النحل: ٢٤] في سُورَةِ النَّحْلِ.

وخُتِمَتِ الأوْصافُ المُحَذَّرُ عَنْ إطاعَةِ أصْحابِها بِوَصْفِ التَّكْذِيبِ لِيُرْجَعَ إلى صِفَةِ التَّكْذِيبِ الَّتِي انْتُقِلَ الأُسْلُوبُ مِنها مِن قَوْلِهِ ﴿فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ﴾ [القلم: ٨] .

وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿أنْ كانَ ذا مالٍ﴾ [القلم: ١٤] بِهَمْزَةٍ واحِدَةٍ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ. وقَرَأهُ حَمْزَةُ وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ وأبُو جَعْفَرَ بِهَمْزَتَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ فَهو اسْتِفْهامٌ إنْكارِيٌّ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ بِهَمْزَةٍ ومَدَّةٍ بِجَعْلِ الهَمْزَةِ الثّانِيَةِ ألِفًا لِلتَّخْفِيفِ.