﴿إنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَتِ النَّعِيمِ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِأنَّ مِن شَأْنِ ما ذُكِرَ مِن عَذابِ الآخِرَةِ لِلْمُجْرِمِينَ أنْ يَنْشَأ عَنْهُ سُؤالٌ في نَفْسِ السّامِعِ بِقَوْلِ: فَما جَزاءُ المُتَّقِينَ ؟ وهو كَلامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ أجْزاءِ الوَعِيدِ والتَّهْدِيدِ وبَيْنَ قَوْلِهِ ﴿سَنَسِمُهُ عَلى الخُرْطُومِ﴾ [القلم: ١٦] وقَوْلِهِ ﴿كَذَلِكَ العَذابُ﴾ [القلم: ٣٣] . وقَدْ أشْعَرَ بِتَوَقُّعِ هَذا السُّؤالِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ ﴿أفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كالمُجْرِمِينَ﴾ [القلم: ٣٥] كَما سَيَأْتِي.

وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ عَلى المَسْنَدِ إلَيْهِ لِلْاهْتِمامِ بِشَأْنِ المُتَّقِينَ لِيَسْبِقَ ذِكْرُ صِفَتِهِمُ العَظِيمَةِ ذِكْرَ جَزائِها.

واللّامُ لِلْاسْتِحْقاقِ. و(عِنْدَ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنى الكَوْنِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ حَرْفُ الجَرِّ، ولِذَلِكَ قُدِّمَ مُتَعَلَّقُهُ مَعَهُ عَلى المُسْنَدِ إلَيْهِ لِأجْلِ ذَلِكَ الاهْتِمامِ. وقَدْ حَصَلَ مِن تَقْدِيمِ المُسْنَدِ بِما مَعَهُ طُوُلٌ يُثِيرُ تَشْوِيقَ السّامِعِ إلى المُسْنَدِ إلَيْهِ. والعِنْدِيَّةُ هُنا عِنْدِيَّةُ كَرامَةٍ واعْتِناءٍ.

صفحة ٩١

وإضافَةُ جَنّاتٍ إلى النَّعِيمِ تُفِيدُ أنَّها عُرِّفَتْ بِهِ فَيُشارُ بِذَلِكَ إلى مُلازَمَةِ النَّعِيمِ لَها؛ لِأنَّ أصْلَ الإضافَةِ أنَّها بِتَقْدِيرِ لامِ الاسْتِحْقاقِ فَ ﴿جَنّاتِ النَّعِيمِ﴾ مُفِيدٌ أنَّها اسْتَحَقَّها النَّعِيمُ؛ لِأنَّها لَيْسَ في أحْوالِها إلّا حالَ نَعِيمِ أهْلِها، فَلا يَكُونُ فِيها ما يَكُونُ مِن جَنّاتِ الدُّنْيا مِنَ المَتاعِبِ مِثْلُ الحَرِّ في بَعْضِ الأوْقاتِ أوْ شِدَّةِ البَرْدِ أوْ مِثْلُ الحَشَراتِ والزَّنابِيرِ، أوْ ما يُؤْذِي مِثْلُ شَوْكِ الأزْهارِ والأشْجارِ ورَوَثِ الدَّوابِّ وذَرْقِ الطَّيْرِ.