Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وإنّا مِنّا الصّالِحُونَ ومِنّا دُونَ ذَلِكَ كُنّا طَرائِقَ قِدَدًا﴾
صفحة ٢٣٢
قَرَأ الجُمْهُورُ وأبُو جَعْفَرٍ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وحَفْصٌ وخَلَفٌ بِفَتْحِها وهو مِن قَوْلِ الجِنِّ.وقِراءَةُ فَتْحِ الهَمْزَةِ عَطْفٌ عَلى المَجْرُورِ بِالباءِ، أيْ: آمَنّا بِأنّا مِنّا الصّالِحُونَ، أيْ: أيْقَنّا بِذَلِكَ وكُنّا في جَهالَةٍ عَنْ ذَلِكَ.
ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ آثارُ التَّوْفِيقِ فَعَلِمُوا أنَّهم أصْبَحُوا فَرِيقَيْنِ، فَرِيقٌ صالِحُونَ وفَرِيقٌ لَيْسُوا بِصالِحِينَ، وهم يَعْنُونَ بِالصّالِحِينَ أنْفُسَهم وبِمَن دُونَ الصَّلاحِ بَقِيَّةُ نَوْعِهِمْ، فَلَمّا قامُوا مَقامَ دَعْوَةِ إخْوانِهِمْ إلى اتِّباعِ طَرِيقِ الخَيْرِ لَمْ يُصارِحُوهم بِنِسْبَتِهِمْ إلى الإفْسادِ بَلْ أُلْهِمُوا وقالُوا مِنّا الصّالِحُونَ، ثُمَّ تَلَطَّفُوا فَقالُوا: ومِنّا دُونَ ذَلِكَ، الصّادِقُ بِمَراتِبَ مُتَفاوِتَةٍ في الشَّرِّ والفَسادِ لِيَتَطَلَّبَ المُخاطَبُونَ دَلائِلَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ، عَلى أنَّهم تَرَكُوا لَهُمُ احْتِمالَ أنْ يُعْنى بِالصّالِحِينَ الكامِلُونَ في الصَّلاحِ، فَيَكُونُ المَعْنِيُّ بِمَن دُونَ ذَلِكَ مَن هم دُونَ مَرْتَبَةِ الكَمالِ في الصَّلاحِ، وهَذا مِن بَلِيغِ العِباراتِ في الدَّعْوَةِ والإرْشادِ إلى الخَيْرِ.
ودُونَ: اسْمٌ بِمَعْنى (تَحْتَ)، وهو ضِدُّ فَوْقَ، ولِذَلِكَ كَثُرَ نَصْبُهُ عَلى الظَّرْفِيَّةِ المَكانِيَّةِ، أيْ: في مَكانٍ مُنْحَطٍّ عَنِ الصّالِحِينَ.
والتَّقْدِيرُ: ومِنّا فَرِيقٌ في مَرْتَبَةٍ دُونَهم.
وظَرْفِيَّةُ (دُونَ) مَجازِيَّةٌ. ووَقَعَ الظَّرْفُ هُنا ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا في مَحَلِّ الصِّفَةِ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: فَرِيقٌ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وما مِنّا إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات: ١٦٤] ويَطَّرِدُ حَذْفُ المَوْصُوفِ إذا كانَ بَعْضَ اسْمٍ مَجْرُورٍ بِحَرْفِ (مِن) مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وكانَتِ الصِّفَةُ ظَرْفًا كَما هُنا، أوْ جُمْلَةً كَقَوْلِ العَرَبِ: مِنّا ظَعَنَ ومِنّا أقامَ.
وقَوْلُهُ ﴿كُنّا طَرائِقَ قِدَدًا﴾ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، شَبَّهَ تَخالُفَ الأحْوالِ والعَقائِدِ بِالطَّرائِقِ تُفْضِي كُلُّ واحِدَةٍ مِنها إلى مَكانٍ لا تُفْضِي إلَيْهِ الأُخْرى.
وطَرائِقُ: جَمْعُ طَرِيقَةٍ، والطَّرِيقَةُ هي الطَّرِيقُ، ولَعَلَّها تَخْتَصُّ بِالطَّرِيقِ الواسِعِ الواضِحِ؛ لِأنَّ التّاءَ لِلتَّأْكِيدِ مِثْلَ دارٍ ودارَةٍ، ومِثْلَ مَقامٍ ومَقامَةٍ، ولِذَلِكَ شُبِّهَ بِها أفْلاكُ الكَواكِبِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكم سَبْعَ طَرائِقَ﴾ [المؤمنون: ١٧] ووُصِفَتْ بِالمُثْلى في قَوْلِهِ ﴿ويَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلى﴾ [طه: ٦٣] .
ووَصْفُ طَرائِقَ بِـ (قِدَدًا)، وهو اسْمُ جَمْعِ قِدَّةٍ بِكَسْرِ القافِ وتَشْدِيدِ
صفحة ٢٣٣
الدّالِ، والقِدَّةُ: القِطْعَةُ مِن جِلْدٍ ونَحْوِهِ المَقْطُوعَةُ طُولًا كالسَّيْرِ، شُبِّهَتِ الطَّرائِقُ في كَثْرَتِها بِالقِدَدِ المُقْتَطَعَةِ مِنَ الجِلْدِ يَقْطَعُها صانِعُ حِبالِ القِدِّ كانُوا يُقَيِّدُونَ بِها الأسْرى.والمَعْنى: أنَّهم يَدْعُونَ إخْوَتَهم إلى وحْدَةِ الِاعْتِقادِ بِاقْتِفاءِ هُدى الإسْلامِ، فالخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْرِيضِ بِذَمِّ الِاخْتِلافِ بَيْنَ القَوْمِ وأنَّ عَلى القَوْمِ أنْ يَتَّحِدُّوا ويَتَطَلَّبُوا الحَقَّ لِيَكُونَ اتِّحادُهم عَلى الحَقِّ.
ولَيْسَ المَقْصُودُ مِنهُ فائِدَةَ الخَبَرِ؛ لِأنَّ المُخاطَبِينَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، والتَّوْكِيدُ بِـ (إنَّ) مُتَوَجِّهٌ إلى المَعْنى التَّعْرِيضِيِّ.