Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وإنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ ﴿قالَ إنَّما أدْعُو رَبِّي ولا أُشْرِكُ بِهِ أحَدًا﴾
قَرَأ نافِعٌ وحْدَهُ وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ. وقَرَأهُ بَقِيَّةُ العَشَرَةِ في رِواياتِهِمُ المَشْهُورَةِ بِالفَتْحِ.
ومَآلُ القِراءَتَيْنِ سَواءٌ في كَوْنِ هَذا خارِجًا عَمّا صَدَرَ عَنِ الجِنِّ وفي كَوْنِهِ مِمّا أوْحى اللَّهُ بِهِ.
فَكَسْرُ الهَمْزَةِ عَلى عَطْفِ الجُمْلَةِ عَلى جُمْلَةِ ﴿أُوحِيَ إلَيَّ﴾ [الجن: ١]، والتَّقْدِيرُ: وقُلْ إنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ،؛ لِأنَّ هَمْزَةَ (إنَّ) إذا وقَعَتْ في مَحْكِيٍّ بِالقَوْلِ تُكْسَرُ، ولا يَلِيقُ أنْ يُجْعَلَ مِن حِكايَةِ مَقالَةِ الجِنِّ؛ لِأنَّ ذَلِكَ قَدِ انْقَضى وتَباعَدَ ونُقِلَ الكَلامُ إلى أغْراضٍ أُخْرى ابْتِداءً مِن قَوْلِهِ ﴿وأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] .
وأمّا الفَتْحُ فَعَلى اعْتِبارِهِ مَعْطُوفًا عَلى جُمْلَةِ ﴿أنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ﴾ [الجن: ١]، أيْ: وأُوحِيَ إلَيَّ أنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ، أيْ: أوْحى اللَّهُ إلَيَّ اقْتِرابَ المُشْرِكِينَ مِن أنْ يَكُونُوا لِبَدًا عَلى عَبْدِ اللَّهِ لَمّا قامَ يَدْعُو رَبَّهُ.
صفحة ٢٤٢
وضَمِيرُ (إنَّهُ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ وجُمْلَةُ ﴿لَمّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ إلى آخِرِها خَبَرُهُ.وضَمِيرُ ﴿كادُوا يَكُونُونَ﴾ عائِدانِ إلى المُشْرِكِينَ المُنْبِئِ عَنْهُمُ المَقامُ غَيْبَةً وخِطابًا ابْتِداءً مِن قَوْلِهِ ﴿وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلى الطَّرِيقَةِ﴾ [الجن: ١٦] إلى قَوْلِهِ ﴿فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَدًا﴾ [الجن: ١٨] .
و(عَبْدُ اللَّهِ) هو مُحَمَّدٌ ﷺ وُضِعُ الِاسْمُ الظّاهِرُ مَوْضِعَ المُضْمَرِ إذْ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ: وأنَّهُ لَمّا قُمْتَ تَدْعُو اللَّهَ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْكَ، أوْ لَمّا قُمْتُ أدْعُو اللَّهَ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيَّ. ولَكِنْ عُدِلَ إلى الِاسْمِ الظّاهِرِ لِقَصْدِ تَكْرِيمِ النَّبِيءِ ﷺ بِوَصْفِ (عَبْدِ اللَّهِ) لِما في هَذِهِ الإضافَةِ مِنَ التَّشْرِيفِ مَعَ وصْفِ (عَبْدٍ) كَما تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنها عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿سُبْحانَ الَّذِي أسْرى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: ١] .
و(لِبَدًا)، بِكَسْرِ اللّامِ وفَتْحِ المُوَحَّدَةِ اسْمُ جَمْعِ: لِبْدَةٍ، وهي ما تَلَبَّدَ بَعْضُهُ عَلى بَعْضٍ، ومِنهُ لِبْدَةُ الأسَدِ لِلشَّعْرِ المُتَراكِمِ في رَقَبَتِهِ.
والكَلامُ عَلى التَّشْبِيهِ، أيْ: كادَ المُشْرِكُونَ يَكُونُونَ مِثْلَ اللِّبَدِ مُتَراصِّينَ مُقْتَرِبِينَ مِنهُ يَسْتَمِعُونَ قِراءَتَهُ ودَعْوَتَهُ إلى تَوْحِيدِ اللَّهِ. وهو التِفافُ غَيْظٍ وغَضَبٍ وهَمٍّ بِالأذى كَما يُقالُ: تَألَّبُوا عَلَيْهِ.
ومَعْنى قامَ: اجْتَهَدَ في الدَّعْوَةِ إلى اللَّهِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿إذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [الكهف: ١٤] في سُورَةِ الكَهْفِ، وقالَ النّابِغَةُ:
بِأنَّ حِصْنًا وحَيًّا مِن بَنِي أسَدٍ قامُوا فَقالُوا حِمانا غَيْرُ مَقْرُوبِ
وقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ [البقرة: ٣] في أوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ.ومَعْنى قِيامِ النَّبِيءِ ﷺ إعْلانُهُ بِالدَّعْوَةِ وظُهُورُ دَعْوَتِهِ، قالَ جَزْءُ بْنُ كُلَيْبٍ الفَقْعَسِيُّ:
فَلا تَبْغِيَنَّها يا ابْنَ كُوزٍ فَإنَّهُ ∗∗∗ غَذا النّاسُ مُذْ قامَ النَّبِيءُ الجَوارِيا
أيْ: قامَ يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ بَيانُهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ ﴿قالَ إنَّما أدْعُو رَبِّي ولا أُشْرِكُ بِهِ أحَدًا﴾، فَهم لَمّا لَمْ يَعْتادُوا دُعاءَ غَيْرِ الأصْنامِ تَجَمَّعُوا لِهَذا الحَدَثِ العَظِيمِ عَلَيْهِمْ وهو دُعاءُ مُحَمَّدٍ ﷺ اللَّهَ تَعالى.صفحة ٢٤٣
وجُمْلَةُ ﴿قُلْ إنَّما أدْعُو رَبِّي ولا أُشْرِكُ بِهِ أحَدًا﴾ بَيانٌ لِجُمْلَةِ (يَدْعُوهُ) .وقَرَأ الجُمْهُورُ (قالَ) بِصِيغَةِ المُضِيِّ. وقَرَأهُ حَمْزَةُ وعاصِمٌ وأبُو جَعْفَرٍ (قُلْ) بِدُونِ ألِفٍ عَلى صِيغَةِ الأمْرِ، فَتَكُونُ الجُمْلَةُ اسْتِئْنافًا. والتَّقْدِيرُ: أُوحِيَ إلَيَّ أنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ إلى آخِرِهِ قُلْ إنَّما أدْعُو رَبِّي، فَهو مِن تَمامِ ما أُوحِيَ بِهِ إلَيْهِ.
و﴿إنَّما أدْعُو رَبِّي﴾ يُفِيدُ قَصْرًا، أيْ: لا أدْعُو غَيْرَهُ، أيْ: لا أعْبُدُ غَيْرَهُ دُونَهُ.
وعُطِفَ عَلَيْهِ ﴿ولا أُشْرِكُ بِهِ أحَدًا﴾ تَأْكِيدًا لِمَفْهُومِ القَصْرِ، وأصْلُهُ أنْ لا يُعْطَفَ، فَعَطْفُهُ لِمُجَرَّدِ التَّشْرِيكِ لِلْعِنايَةِ بِاسْتِقْلالِهِ بِالإبْلاغِ.