Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿كَلّا﴾
إبْطالٌ ورَدْعٌ لِما تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ ﴿ألا يَظُنُّ أُولَئِكَ أنَّهم مَبْعُوثُونَ﴾ [المطففين: ٤] مِنَ التَّعْجِيبِ مِن فِعْلِهِمُ التَّطْفِيفَ، والمَعْنى: كَلّا بَلْ هم مَبْعُوثُونَ لِذَلِكَ اليَوْمِ العَظِيمِ ولِتَلَقِّي قَضاءِ رَبِّ العالَمِينَ فَهي جَوابٌ عَمّا تَقَدَّمَ.
* * *
﴿إنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفي سِجِّينٍ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما سِجِّينٌ﴾ ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ بِمُناسَبَةِ ذِكْرِ يَوْمِ القِيامَةِ. وهو تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ لِلْمُطَفِّفِينَ بِأنْ يَكُونَ عَمَلُهم مُوجِبًا كَتْبَهُ في كِتابِ الفُجّارِ.
و(الفُجّارُ) غَلَبَ عَلى المُشْرِكِينَ ومَن عَسى أنْ يَكُونَ مُتَلَبِّسًا بِالتَّطْفِيفِ بَعْدَ سَماعِ النَّهْيِ عَنْهُ مِنَ المُسْلِمِينَ الَّذِي رُبَّما كانَ بَعْضُهم يَفْعَلُهُ في الجاهِلِيَّةِ.
والتَّعْرِيفُ في الفُجّارِ لِلْجِنْسِ مُرادٌ بِهِ الِاسْتِغْراقَ، أيْ: جَمِيعُ المُشْرِكِينَ فَيَعُمُّ المُطَفِّفِينَ وغَيْرَ المُطَفِّفِينَ، فَوَصْفُ الفُجّارِ هَنا نَظِيرُ ما في قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ﴾ [عبس: ٤٢] .
وشُمُولُ عُمُومِ الفُجّارِ لِجَمِيعِ المُشْرِكِينَ المُطَفِّفِينَ مِنهم وغَيْرَ المُطَفِّفِينَ يُعْنى بِهِ أنَّ المُطَفِّفِينَ مِنهم والمَقْصُودُ الأوَّلُ مِن هَذا العُمُومِ؛ لِأنَّ ذِكْرَ هَذا الوَصْفِ والوَعِيدِ عَلَيْهِ عَقِبَ كَلِمَةِ الرَّدْعِ عَنْ أعْمالِ المُطَفِّفِينَ قَرِينَةٌ عَلى أنَّ الوَعِيدَ مُوَجَّهٌ إلَيْهِمْ.
و(الكِتابُ) المَكْتُوبُ، أيِ: الصَّحِيفَةُ وهو هُنا يَحْتَمِلُ شَيْئًا تُحْصى فِيهِ
صفحة ١٩٥
الأعْمالُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ كِنايَةً عَنْ إحْصاءِ أعْمالِهِمْ وتَوْقِيفِهِمْ عَلَيْها، وكَذَلِكَ يَجْرِي عَلى الوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ: ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ وتَقَدَّمَتْ نَظائِرُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ.و(سِجِّينٌ) حُرُوفُ مادَّتِهِ مِن حُرُوفِ العَرَبِيَّةِ، وصِيغَتُهُ مِنَ الصِّيَغِ العَرَبِيَّةِ، فَهو لَفْظٌ عَرَبِيٌّ، ومَن زَعَمَ أنَّهُ مُعَرَّبٌ فَقَدْ أغْرَبَ. رُوِيَ عَنِ الأصْمَعِيِّ: أنَّ العَرَبَ اسْتَعْمَلُوا سِجِّينَ عِوَضًا عَنْ سِلْتِينَ، وسِلْتِينَ كَلِمَةٌ غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ.
ونُونُ سِجِّينٍ أصْلِيَّةٌ ولَيْسَتْ مُبْدَلَةً عَنِ اللّامِ، وقَدِ اخْتُلِفَ في مَعْناهُ عَلى أقْوالٍ أشْهَرُها وأُولاها أنَّهُ عَلَمٌ لِوادٍ في جَهَنَّمَ، صِيَغَ بِزِنَةِ فَعِيلٍ مِن مادَّةِ السَّجْنِ لِلْمُبالَغَةِ مِثْلَ: المَلِكِ الضِّلِّيلِ، ورَجُلٌ سِكِّيرٌ، وطَعامٌ حَرِّيفٌ شَدِيدُ الحَرافَةِ، وهي لَذْعُ اللِّسانِ سُمِّيَ ذَلِكَ المَكانُ سِجِّينًا لِأنَّهُ أشَدُّ الحَبْسِ لِمَن فِيهِ فَلا يُفارِقُهُ، وهَذا الِاسْمُ مِن مُصْطَلَحاتِ القُرْآنِ لا يُعْرَفُ في كَلامِ العَرَبِ مِن قَبْلُ ولَكِنَّ مادَّتَهُ وصِيغَتَهُ مَوْضُوعَتانِ في العَرَبِيَّةِ وضْعًا نَوْعِيًّا. وقَدْ سَمِعَ العَرَبُ هَذا الِاسْمَ ولَمْ يَطْعَنُوا في عَرَبِيَّتِهِ.
ومَحْمَلُ قَوْلِهِ: ﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾ إنْ كانَ عَلى ظاهِرِ الظَّرْفِيَّةِ كانَ المَعْنى أنَّ كُتُبَ أعْمالِ الفُجّارِ مُودَعَةٌ في مَكانٍ اسْمُهُ سِجِّينٌ أوْ وصْفُهُ سِجِّينٌ وذَلِكَ يُؤْذِنُ بِتَحْقِيرِهِ، أيْ: تَحْقِيرُ ما احْتَوى عَلَيْهِ مِن أعْمالِهِمُ المَكْتُوبَةِ فِيهِ، وعَلى هَذا حَمَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ المُتَقَدِّمِينَ، ورَوى الطَّبَرِيُّ بِسَنَدِهِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لِاشْتِمالِ سَنَدِهِ عَلى مَجاهِيلَ.
وإنْ حُمِلَتِ الظَّرْفِيَّةُ في قَوْلِهِ: لَفي سِجِّينٍ عَلى غَيْرِ ظاهِرِها، فَجُعِلَ كِتابُ الفُجّارِ مَظْرُوفًا في سِجِّينٍ مَجازٌ عَنْ جَعْلِ الأعْمالِ المُحْصاةِ فِيهِ في سِجِّينٍ، وذَلِكَ كِنايَةٌ رَمْزِيَّةٌ عَنْ كَوْنِ الفُجّارِ في سِجِّينٍ.
وجُمْلَةُ ﴿وما أدْراكَ ما سِجِّينٌ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿إنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفي سِجِّينٍ﴾ وجُمْلَةِ ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ وهو تَهْوِيلٌ لِأمْرِ السَّجِينِ تَهْوِيلَ تَفْظِيعٍ لِحالِ الواقِعِينَ فِيهِ وتَقَدَّمَ ﴿ما أدْراكَ﴾ [الإنفطار: ١٨] في سُورَةِ الِانْفِطارِ.
وقَوْلُهُ: ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ خَبَرٌ عَنْ ضَمِيرٍ مَحْذُوفٍ يَعُودُ إلى ﴿كِتابَ الفُجّارِ﴾ . والتَّقْدِيرُ: هو أيْ: كِتابُ الفُجّارِ كِتابٌ مَرْقُومٌ، هَذا مِن حَذْفِ المُسْنَدِ إلَيْهِ الَّذِي
صفحة ١٩٦
اتُّبِعَ في حَذْفِهِ اسْتِعْمالُ العَرَبِ إذا تَحَدَّثُوا عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أرادُوا الإخْبارَ عَنْهُ بِخَبَرٍ جَدِيدٍ.والمَرْقُومُ: المَكْتُوبُ كِتابَةً بَيِّنَةً تُشْبِهُ الرَّقْمَ في الثَّوْبِ المَنسُوجِ.
وهَذا الوَصْفُ يُفِيدُ تَأْكِيدَ ما يُفِيدُهُ لَفْظُ كِتابٍ سَواءٌ كانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً أوْ مَجازًا.