﴿أرَأيْتَ إنْ كانَ عَلى الهُدى﴾ ﴿أوْ أمَرَ بِالتَّقْوى﴾ .

تَعْجِيبٌ آخَرُ مِن حالِ المَفْرُوضِ وُقُوعُهُ، أيْ: أتَظُنُّهُ يَنْهى أيْضًا عَبْدًا مُتَمَكِّنًا مِنَ الهُدى فَتَعْجَبُ مِن نَهْيِهِ. والتَّقْدِيرُ: أرَأيْتَهُ إنْ كانَ العَبْدُ عَلى الهُدى أيَنْهاهُ عَنِ الهُدى، أوْ إنْ كانَ العَبْدُ آمِرًا بِالتَّقْوى أيَنْهاهُ عَنْ ذَلِكَ.

والمَعْنى: أنَّ ذَلِكَ هو الظَّنُّ بِهِ فَيَعْجَبُ المُخاطَبُ مِن ذَلِكَ؛ لِأنَّ مَن يَنْهى عَنِ الصَّلاةِ وهي قُرْبَةٌ إلى اللَّهِ فَقَدْ نَهى عَنِ الهُدى، ويُوشِكُ أنْ يَنْهى عَنْ أنْ يَأْمُرَ أحَدًا بِالتَّقْوى.

وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ وأتى بِحَرْفِ الشَّرْطِ الَّذِي الغالِبُ فِيهِ عَدَمُ الجَزْمِ بِوُقُوعِ فِعْلِ الشَّرْطِ مُجاراةً لِحالِ الَّذِي يَنْهى عَبْدًا.

صفحة ٤٤٨

والرُّؤْيَةُ هُنا عِلْمِيَّةٌ، وحُذِفَ مَفْعُولا فِعْلِ الرُّؤْيَةِ اخْتِصارًا لِدَلالَةِ ﴿الَّذِي يَنْهى﴾ [العلق: ٩] عَلى المَفْعُولِ الأوَّلِ ودَلالَةِ يَنْهى عَلى المَفْعُولِ الثّانِي في الجُمْلَةِ قَبْلَها.

وعَلى لِلِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ وهو شِدَّةُ التَّمَكُّنِ مِنَ الهُدى بِحَيْثُ يُشْبِهُ تَمَكُّنُ المُسْتَعْلِي عَلى المَكانِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] .

فالضَّمِيرانِ المُسْتَتِرانِ في فِعْلَيْ ﴿كانَ عَلى الهُدى أوْ أمَرَ بِالتَّقْوى﴾ عائِدانِ إلى ”عَبْدًا“ وإنْ كانَتِ الضَّمائِرُ الحافَّةُ بِهِ عائِدَةٌ إلى ﴿الَّذِي يَنْهى عَبْدًا إذا صَلّى﴾ [العلق: ٩] .

فَإنَّ السِّياقَ يَرُدُّ كُلَّ ضَمِيرٍ إلى مَعادِهِ كَما في قَوْلِ عَبّاسِ بْنِ مِرْداسٍ:

عُدْنا ولَوْلا نَحْنُ أحْدَقَ جَمْعُهم بِالمُسْلِمِينَ وأحْرَزُوا ما جَمَّعُوا

والمَفْعُولُ الثّانِي لِفِعْلِ (رَأيْتَ) مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرى﴾ [العلق: ١٤] أوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: يَنْهى المُتَقَدِّمَ. والتَّقْدِيرُ: أرَأيْتَهُ.

وجَوابُ ﴿إنْ كانَ عَلى الهُدى﴾ ﴿أوْ أمَرَ بِالتَّقْوى﴾ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: أيَنْهاهُ أيْضًا.

وفُصِلَتْ جُمْلَةُ ﴿أرَأيْتَ إنْ كانَ عَلى الهُدى﴾ لِوُقُوعِها مَوْقِعَ التَّكْرِيرِ؛ لِأنَّ فِيها تَكْرِيرَ التَّعْجِيبِ مِن أحْوالٍ عَدِيدَةٍ لِشَخْصٍ واحِدٍ.