قوله : ( آمَنَ الرسول بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ والمؤمنون ) استئناف قصد به الإِخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما يشرفهم ويعلى من أقدارهم ومنازلهم .أي : صدق الرسول صلى الله عليه وسلم بما أنزل إليه من ربه في هذه السورة وغيرها من العقائد والأحكام والسنن والبينات والهدايات تصديق إذعان وإقرار وإطمئنان ، وكذلك المؤمنون الذين صدقوه واتبعوه آمنوا بما آمن به رسولهم وداعيهم إلى الحق صلى الله عليه وسلم .وقد قرن - سبحانه - إيمان المؤمنين بإيمان رسولهم صلى الله عليه وسلم تشريفاً لهم وللإِشارة إلى أنهم متى صدقوا في إيمانهم كانت منزلتهم عند الله - تعالى - قريبة من منازل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - .وفي تأخيرهم في الذكر إشارة إلى تأخر التابع عن المتبوع ، وإشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من آمن بما أوحى إليه من ربه ، وهو أقوى الناس إيماناً ، وأصدقهم يقينا . وأكثرهم استجابة لأوامر الله .وقوله : ( كُلٌّ آمَنَ بالله وملائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) بيان للإِيمان الكامل الذي اعتقدوه وصدقوا به .أي : كل فريق من هذين الفريقين وهما الرسول والمؤمنون آمن إيماناً تاماً بوجود الله - تعالى - ووحدانيته ، وكمال صفاته ، ووجوب الخضوع والعبادة له ، وبوجود الملاكئة وأنهم عباد مكرمون ( لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) كما آمنوا بكتب الله التي أنزلها لسعادة البشر ، وبرسله الذين أرسلهم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور .ثم بين - سبحانه - أن من صفات هؤلاء الأخيار أنهم لا يفرقون بين رسل الله - تعالى - فقال : ( لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ) أي يقولون لا نفرق في الإِيمان بين رسل الله - تعالى - وإنما نؤمن بهم جميعاً ، ونصدق برسالة كل رسول أرسله الله - تعالى - ولا نقول كما قال الضالون ( نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ) ثم حكى - سبحانه - ما قالوه مما يدل على صدق إيمانهم ، ونقاء نفوسهم وطهارة قلوبهم فقالوا : ( وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) أي : وقالوا سمعنا قولك وفهمناه ، وامتثلنا أمرك - يا الهنا - واستقمنا عليه ، وصبرنا على تكاليفه بكل رضا واستسلام . ( غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ) أي اغفر لنا غفرانك الذي هو من فضل رحمتك ونعمك فأنت ربنا وخالقنا والعليم بأحوالنا وبضعفنا .فقوله : ( غُفْرَانَكَ ) مصدر منصوب على المفعول المطلق والعامل فيه مقدر أي : اغفر غفرانك . وقوله : ( وَإِلَيْكَ المصير ) أي : وإليك وحدك المرجع والمآب ، ومنك وحدك يكون الحساب والثواب والعقاب ، ( يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ . إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) وبذلك نرى أن هذه الآية الكريمة قد مدحت الرسول صلى الله عليه وسلم مدحاً عظيماً ، ومدحت أتباعه المؤمنين الصادقين لاستجابتهم لأوامر الله ونواهيه ، وتضرعهم إليه بخالص الدعاء أن يغفر لهم ما فرط منهم .