أضاف موسى إلى هذه الدعوات الطيبات دعوات أخرى فقال - كما حكى القرآن فيه - ( واكتب لَنَا فِي هذه الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة ) أى : وأثبت لنا فى هذه الدنيا ما يحسن من نعمة وطاعة وعافية وتوفيق ، وأثبتت لنا فى الآخرة - أيضا - ما يحسن من مغفرة ورحمة وجنة عرضها السموات والأرض .وقوله ( إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ ) استئناف مسوق لتعليل الدعاء فإن التوبة الصادقة تجعل الدعاء جديرا بالإجابة ، أى : لأنا تبنا إليك من المعاصى التى جئناك للاعتذار منها . فاكتب لنا الحسنات فى الدارين ، ولا تحرمنا من عطائك الجزيل .وهدنا : بمعنى تبنا . يقال : هاد يهود إذا رجع وتاب .وصدرت الجملة الكريمة ب " إن " المفيدة للتحقيق لإظهار كمال النشاط والرغبة فى مضمونها . وقوله : ( قَالَ عذابي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) استئناف وقع جوابا عن سؤال ينساق إليه الجواب ، كأنه قيل : فماذا قال الله - تعالى - عند دعاء موسى ، فكان الجواب : قال عذابى . . . الخ .ثم قال الله - تعالى - لموسى ردا على دعائه : يا موسى إن عذابى الذى تخشى أن يصيب قومك أصيب به من اشاء تعذيبه من العصاة ، فلا يتعين أن يكون قومك محلا له بعد توبتهم ، فقد اقتضت حكمتى ان اجازى الذين اساءوا بما عملوا واجازى الذين احسنوا بالحسنى .( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) فلا تضيق عن قومك ، ولا عن غيرهم من خلقى ممن هم أهل لها .وقد استفاضت الآيات والأحاديث التى تصرح بأن رحمة الله - تعالى - قد وسعت كل شىء ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إن لله عز وجل مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق ، وبها تعطف الوحوش على أولادها ، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة " .ثم بين - سبحانه - من هم أهل لرحمته فقال : ( فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكاة والذين هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) .أى : فسأكتب رحمتى للذين يصونون أنفسهم عن كل ما يغضب الله ويؤدون الزكاة المفروضة عليهم فى أموالهم .وتخصيص إيتاء الزكاة بالذكر مع اقتضاء التقوى له للتعريض بقوم موسى . لأن إيتاءها كان شاقاً على نفوسهم لحرصهم الشديد على المال .ولعل الصلاة لم تذكر مع أنها مقدمة على سائر العبادات . اكتفاء عنها بالاتقاء الذى هو عبارة عن فعل الواجبات بأسرها . وترك المنهيات عن آخرها .وسأكتبها كذلك للذين هم بآياتنا يؤمنون إيمانا تاما خالصاً لا رياء فيه . ولا نقص معه .