وقوله - تعالى - ( والذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله والذين آوَواْ ونصروا أولئك هُمُ المؤمنون حَقّاً ) كلام مسوق للثناء على القسمين الأولين من الأقسام الثلاثة للمؤمنين وهم المهاجرون والأنصار .إذ أن الآية الأولى من هذه الآيات الكريمة قد ساقها الله - تعالى - لإيجاب التواصل بينهم ، أما هذه الآية فقد ساقها سبحانه - للثناء عليهم والشهادة لهم بأنهم هم المؤمنون حق الايمان وأكمله ، بخلاف من أقام من المؤمنين بدار الشرك ، مع الحاجة إلى هجرته وجهاده .قال الفخر الرازى : أثنى الله - تعالى - على المهاجرين والأنصار من ثلاثة أوجه :أولها - قوله : ( أولئك هُمُ المؤمنون حَقّاً ) فإن هذه الجملة تفيد المبالغة فى مدحهم ، حيث وصفهم بكونهم حقين فى طريق الدين .وقد كانوا كذلك ، لأن من لم يكن محقا فى دينه لم يتحمل ترك الأديان السالفة ، ولم يفارق الأهل والوطن ، ولم يبذل النفس والمال .وثانيها - قوله : ( لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ ) والتنكير يدل على الكمال ، أى : مغفرة تامة كاملة .وثالثها - قوله : ( وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) والمراد منه الثواب الرفيع .والحاصل : أنه - سبحانه - شرح أحوالهم فى الدنيا والآخرة . أما فى الدنيا فقد وصفهم بقوله : ( أولئك هُمُ المؤمنون حَقّاً ) .وأما فى الآخرة فالمقصود إما دفع العقاب ، وإما جلب الثواب .أما دفع العقاب فهو المراد بقوله ( لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ . . . ) وأما جلب الثواب فهو المراد بقوله ( وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) .