ثم مضت السورة الكريمة بعذ ذلك فى تقرير حقيقة المنافقين ، وفى بيان جانب من صفاتهم ، والمصير السئ الذى ينتظرهم فقال - تعالى - : ( المنافقون والمنافقات . . . عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) .قال الإِمام الرازى : اعلم أن هذا شرح لنوع آخر من أنواع فضائحهم وقبائحهم ، والمقصود بيان أن إناثهم كذكورهم فى تلك الأعمال المنكرة ، والأفعال الخبيثة فقال : ( المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ ) أى : فى صفة النفاق ، وذلك كما يقول إنسان لآخر : أنت منى وأنا منك . أى : أمرنا واحد لا مباينة فيه ولا مخالفة . .وقوله : ( يَأْمُرُونَ بالمنكر وَيَنْهَوْنَ عَنِ المعروف ) تفصيل لجانب من راذائلهم ، ومن مسالكهم الخبيثة .أى : يأمرون غيرهم بكل ما تستنكره الشرائع ، وستتقبحه العقول ، وينهونه عن كل أمر دعت إليه الأديان ، وأحبته القلوب السليمة .وقوله : ( وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ) كناية عن بخلهم وشحهم ، لأن الإِنسان السخى يبسط يده بالعطاء ، بخلاف الممسك القتور فإنه يقبض يده عن ذلك .أى : أن من صفات هؤلاء المنافقين أنهم بخلاء أشحاء عن بذل المال فى وجوهه المشروعة .وقوله : ( نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ ) كناية عن رسوخهم فى الكفر ، وانغماسهم فى كل ما يبعدهم عن الله - تعالى - .والمقصود بالنسيان هنا لازمه ، وهو الترك والإِهمال؛ لأن حيقة النسيان ممحالة على الله - تعالى - ، كما أن النسيان الحقيقى لا يذم صاحبه عليه لعدم التكليف به .أى : تركوا طاعة الله وخشيته ومراقبته ، فتركهم - سبحانه - وحرمهم من هدايته ورحمته وفضله .وقوله : ( إِنَّ المنافقين هُمُ الْفَاسِقُونَ ) تذييل قصد به المبالغة فى ذمهم .أى : إن المنافقون هم الكاملون فى الخروج عن طاعة الله ، وفى الانسلاخ عن فضائل الإِيمان ، ومكارم الأخلاق .