ثم نهى الله - تعالى - كل من يصلح للخطاب عن الاغترار بما عند هؤلاء المنافقين من مال وولد ، فقال - تعالى - : ( وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ . . . . ) .أى : عليك - أيها العاقل - أن لا تغتر بما عند هؤلاء المنافقين من أموال وأولاد ، وأن لا يداخل قلبك شئ من الإِعجاب بما بين أيديهم من نعم ، فإن هذه النعم - التى من أعظمها الأموال والأولاد - إنما أعطاهم الله إياها ، ليعذبهم بسببها فى الدنيا عن طريق التعب فى تحصيلها ، والحزن عند فقدها وهلاكها .وقوله : ( وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) بيان لسوء مصيرهم فى الآخرة ، بعد بيان عذابهم فى الدنيا ، وزهوق النفس : خروجها من الجسد بمشقة وتعب .أى : أنهم فى الدنيا تكون النعم التى بين أيديهم ، مصدر عذاب لهم ، وأما فى الآخرة فعذابهم أشد وأبقى ، لأن أرواحهم قد خرجت من أبدانهم وهم مصرون على الكفر والضلال .فأنت ترى أن الآية الكريمة قد توعدت هؤلاء المنافقين بسوء العاقبة فى الدنيا والآخرة ، ومن كان مصيره كهذا المصير ، لا يستحق الإِعجاب أو التكريم وإنما يستحق الاحتقار والإِهمال .وهذه الآية الكريمة ، قد سبقتها فى السورة نفسها آية أخرى شبيهة بها . وهى قوله - تعالى - : ( وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدنيا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) .وقد أشار صاحب الكشاف إلى سر هذا التكرار فقال : " وقد أعيد قوله ( وَلاَ تُعْجِبْكَ ) ؛ لأن تجدد النزول له شأنه فى تقرير ما نزل له وتأكيده ، وإرادة أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه ولا يسهو عنه ، وأن يعقتد أن العمل به مهم يفتقر إلى فضل عناية به ، لا سيما إذا تراخى ما بين النزولين ، فأشبه الشئ الذى أهم صاحبه ، فهو يرجع إليه فى أثناء حديثه ، ويتخلص إليه ، وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه " .