وقد رد عليها الملائكة بقولهم : ( قالوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله ) ؟!!أى : أتستبعدين على قدرة الله - تعالى - أن يرزقك الولد وأنت وزوجك فى هذه السن المتقدمة؟ لا إنه لا ينبغى لك أن تستبعدى ذلك ، لأن قدرة الله لا يعجزها شئ . فالاستفهام هنا المراد به إنكار تعجبها واستبعادها البشارة ، وإزالة أثر ذلك من نفسها إزالة تامة .وقوله : ( رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت ) حكاية لما قالته الملائكة لها ، زيادة فى سرورها وفى إدخال الطمأنينة على قلبها .أى رحمة الله الواسعة ، وبركاته وخيراته النامية عليكم أهل البيت الكريم وهو بيت إبراهيم - عليه السلام - .قال صاحب الكشاف : وإنما أنكرت عليها الملائكة تعجبها ، لأنها كانت فى بيت الآيات ، ومهبط المعجزات ، والأمور الخارقة للعادات ، فكان عليها أن تتوقر ، ولا يزدهيا ما يزدهى سائر النساء الناشئات فى غير بيت النبوة وأن تسبح الله وتمجده ، مكان التعجب .وإلى ذلك أشارت الملائكة فى قولهم ( رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت ) .أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمهم به رب العزة ، ويخصكم بالإِنعام به يا أهل بيت النبوة ، فليس بمكان عجب ، والكلام مستأنف علل به إنكارا التعجب . كأنه قيل : " إياك والتعجب ، فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم " .وقوله - سبحانه - ( إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) تذييل بديع قصد به وجوب مداومتها على حمد الله وتمجيده على أن وهبها الولد بعد أن بلغت سن اليأس من الحمل .أى إنه - سبحانه - ( حَمِيدٌ ) أى : مستحق للحمد لكثرة نعمه على عباده ( مَّجِيدٌ ) أى : كريم واسع الإِحسان ، فليس بعيداً منه أن يعطى الولد للآباء بعد الكبر .قال صاحب المنار ما ملخصه : وأصل المجد فى اللغة أن تقع الإِبل فى أرض واسعة المرعى ، كثيرة الخصب ، يقال : مجدت الإِبل تمد من باب نصر - مجداً ومجادة ، وأمجدها الراعى .والمجد فى البيوت والأنساب ما يعده الرجل من سعة كرم آبائه وكثرة نوالهم .ووصف الله كتابه بالمجيد ، كما وصف نفسه بذلك ، لسعة هداية كتابه ، وسعة كرمه وفضله على عباده . . .