ثم نفى - سبحانه - المساواة بين المؤمن والكافر ، وبين المهتدى والضال فقال : ( أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ على نُورٍ مِّن رَّبِّهِ . . ) .أى : أفمن شرح الله - تعالى - صدره للإِسلام ، وجعله مستعدا لقبول الحق فهو بمقتضى هذا الشرح والقبول صار على نور وهداية من ربه ، كمن قسا قلبه وغلظ ، وأصبح أسيرا للظلمات والأوهام .لاشك أنهما لا يستويان فى عقل أى عاقل .فالاستفهام للإِنكار والنفى ، و " من " اسم موصول مبتدأ ، والخبر محذوف لدلالة قوله - تعالى - ( فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله ) عليه .أى : فهلاك وخزى لأولئك المشركين الذين قست قلوبهم من أجل ذكر الله - تعالى - ، الذى من شأنه أن تلين له القلوب ، ولكن هؤلاء الكافرين إذا ما ذكر الله - تعالى - ، اشمأزت قلوبهم ، وقست نفوسهم ، لانطماس بصائرهم ، واستحواذ الشيطان عليهم .ومنهم من جعل " من " فى قوله ( مِّن ذِكْرِ الله ) بمعنى عن . أى : فويل للقاسية قلوبهم عن قبول ذكر الله وطاعته وخشيته .قال صاحب الكشاف : قوله : ( مِّن ذِكْرِ الله ) أى : من أجل ذكره ، أى : إذا ذكر الله عندهم أو آياته اشمأزوا ، وازدادت قلوبهم قساوة ، كقوله - تعالى - : ( فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ ) وقرئ : عن ذكر الله .فإن قلت : ما الفرق بين من وعن فى هذا؟ قلت : إذا قلت قسا قلبه من ذكر الله ، فالمعنى ما ذكرت ، من أن القسوة من أجل الذكر وبسببه . وإذا قلت : عن ذكر الله ، فالمعنى : غلظ عن قبول الذكر وجفا عنه . ونظيره : سقاه من العَيْمة . أى : من أجل عطشه . وسقاه عن العيمة ، إذا أرواه حتى أبعده عن العطش .ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة ببيان مآل هؤلاء الذين قست قلوبهم فقال : ( أولئك فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) .أى : أولئك المتصفون بتلك الصفات الذميمة فى ضلال واضح عن الصراط المستقيم .وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : ( فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السمآء كذلك يَجْعَلُ الله الرجس عَلَى الذين لاَ يُؤْمِنُونَ ).