وبعد أن رسمت السورة الكريمة ، تلك الصورة الوضيئة للمهاجرين والأنصار والذين ابتعوهم بإحسان . . . بعد لك ذلك أخذت فى رسم صورة أخرى ، متباينة تمام المباينة مع صورة هؤلاء الصادقين ، ألا وهى صورة المنافقين ، الذين انضموا إلى كل مناوئ للدعوة الإسلامية ، فقال - تعالى - : ( أَلَمْ تَرَ . . . ) .قال الآلوسى : قوله - تعالى - : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ . . ) حكاية لما جرى بين الكفرة والمنافقين من الأقوال الكاذبة والأحوال الفاسدة وتعجب منها بعد حكاية محاسن أحوال المؤمنين على اختلاف طبقاتهم ، والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب .والآية - كما روى عن ابن عباس - نزلت فى رهط من بنى عوف منهم عبد الله بن أبى بن سلول . . . بعثوا إلى بنى النضير بما تضمنته الجمل المحكية ، بقوله - تعالى - : ( يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب . . ) .والمراد بالأخوة فى قوله - سبحانه - : ( يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ) : أخوة فى الكفر والفسوق والعصيان . . . ) .والمعنى : ألم يصل إلى علمك - أيها الرسول الكريم - حال أولئك المنافقين الذين أظهروا الإسلام ، وأبطنوا الكفر ، وهم يقولون لإخوانهم فى الكفر من أهل الكتاب ، وهم : يهود بنى النضير ، أثناء محاصرتكم - أيها المؤمنون - لهم .يقولون لهم : " والله لئن أخرجتم " من دياركم ( لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ) أى : لنخرجن من ديارنا معكم ، لنكون مصاحبين لكم حيثما سرتم .ويقولون لهم : - أيضا - ( وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً . . ) أى : ولا نطيع فى شأنكم أحدا أبدا ، يريد العدوان عليكم ، أو يريد منعنا من الخروج معكم ومؤازرتكم . . .ويقولون لهم - كذلك - : ( وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ ) أى : وإن قاتلكم المسلمون ، لنقفن إلى جواركم ، ولنقدمن العون الذى يؤدى إلى نصركم .وقوله - سبحانه - : ( والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) رد عليهم ، وإبطال لمزاعمهم .أى : والله - تعالى - يشهد بأن هؤلاء المنافقين لكاذبون فى أقوالهم ، وفى عهودهم . . .