ثم فصل - سبحانه - ما يترتب على هذه الرؤية من جزاء فقال : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ .وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ )و " المثقال " مفعال من الثقل ، ويطلق على الشئ القليل الذى يحتمل الوزن ، و " الذرة " تطلق على أصغر النمل ، وعلى الغبار الدقيق الذى يتطاير من التراب عند النفخ فيه . والمقصود المبالغة فى الجزاء على الأعمال مهما بلغ صغرها ، وحقر وزنها .والفاء : للتفريع على ما تقدم . أى : فى هذا اليوم يخرج الناس من قبورهم متفرقين لا يلوى أحد على أحد . متجهين إلى موقف الحساب ليطلعوا على جزاء أعاملهم الدنيوية . . فمن كان منهم قد عمل فى دنياه عملا صالحا رأى ثماره الطيبة ، حتى ولو كان هذا العمل فى نهاية القلة ، ومن كان منهم قد عمل عملا سيئا فى دنياه ، رأى ثماره السيئة ، حتى ولو كان هذا العمل - أيضا - فى أدنى درجات القلة .فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد جمعتا أسمى وأحكم ألوان الترغيب والترهيب ، ولذا قال كعب الأحبار : لقد أنزل الله - تعلى - على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم آيتين ، أحصتا ما فى التوراة والإِنجيل والزبور والصحف ، ثم قرأ هاتين الآيتين .وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين عددا من الأحاديث ، منها : ما أخرجه الإِمام أحمد . " أن صعصعة بن معاوية ، أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه هاتين الآيتين ، فقال : حسبى لا أبالى أن لا أسمع غيرها " وفى صحيح البخارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ، ولو بكلمة طيبة " .وفى الصحيح - أيضاً - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك فى إناء المستقى ، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط " .وكان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة : " يا عائشة ، استترى من النار ولو بشق تمرة ، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان . يا عائشة . إياك ومحقرات الذنوب ، فإن لها من الله - تعالى - طالبا " .ومن الآيات الكريمة التى وردت فى معنى هاتين الآيتين قوله - تعالى - ( إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ) وقوله - سبحانه - : ( وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ ) نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعا ممن يواظبون على فعل الخيرات .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .