﴿وأنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا﴾ اخْتَلَفُوا قِراءَةً في أنَّ هَذِهِ وما بَعْدَها إلى ﴿وأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ﴾ وتِلْكَ اثْنَتا عَشْرَةَ فَقَرَأها ابْنُ عامِرٍ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وخَلَفٌ وحَفْصٌ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ فِيهِنَّ ووافَقَهم أبُو جَعْفَرٍ في ثَلاثَةِ ما هُنا وأنَّهُ كانَ يَقُولُ وإنَّهُ كانَ رِجالٌ وقَرَأ الباقُونَ بِكَسْرِها في الجَمِيعِ واتَّفَقُوا عَلى الفَتْحِ في ( أنَّهُ اسْتَمَعَ، وأنَّ المَساجِدَ ) [الحَجِّ: 18] لِأنَّ ذَلِكَ لا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مِن قَوْلِ الجِنِّ بَلْ هو مِمّا أُوحِيَ بِخِلافِ الباقِي فَإنَّهُ يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مِن قَوْلِهِمْ ومِمّا أُوحِيَ.
واخْتَلَفُوا في أنَّهُ لَمّا قامَ فَقَرَأ نافِعٌ وأبُو بَكْرٍ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ والباقُونَ بِفَتْحِها كَذا فَصَّلَهُ بَعْضُ الأجِلَّةِ وهو المُعَوَّلُ عَلَيْهِ ووَجْهُ الكَسْرِ في أنَّ هَذِهِ وما بَعْدَها إلى ﴿وأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ﴾ ظاهِرٌ كالكَسْرِ في ﴿إنّا سَمِعْنا قُرْآنًا﴾ لِظُهُورِ عَطْفِ الجُمَلِ عَلى المَحْكِيِّ بَعْدَ القَوْلِ ووُضُوحِ انْدِراجِها تَحْتَهُ.
وأمّا وجْهُ الفَتْحِ فَفِيهِ خَفاءٌ ولِذا اخْتُلِفَ فِيهِ فَقالَ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ والزَّمَخْشَرِيُّ هو العَطْفُ عَلى مَحَلِّ الجارِّ والمَجْرُورِ في ﴿فَآمَنّا بِهِ﴾ كَأنَّهُ قِيلَ صَدَّقْناهُ وصَدَّقْنا أنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا وأنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا وكَذَلِكَ البَواقِي ويَكْفِي في إظْهارِهِ المَحَلَّ إظْهارُ مَعَ المُرادِفِ ولَيْسَ مِنَ العَطْفِ عَلى الضَّمِيرِ المَجْرُورِ بِدُونِ إعادَةِ الجارِّ المَمْنُوعِ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ في شَيْءٍ وإنْ قِيلَ بِهِ هُنا بِناءً عَلى مَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ المُجَوِّزِينَ لَهُ ولَوْ قِيلَ إنَّهُ بِتَقْدِيرِ الجارِّ لِاطِّرادِ حَذْفِهِ قَبْلَ أنْ وإنَّ لَكانَ سَدِيدًا كَما في الكَشْفِ وضَعَّفَ مَكِّيٌّ العَطْفَ عَلى ما في حَيِّزِ (آمَنّا فَقالَ فِيهِ بُعْدٌ في المَعْنى لِأنَّهم لَمْ يُخْبِرُوا أنَّهم آمَنُوا بِأنَّهم لَمّا سَمِعُوا الهُدى آمَنُوا بِهِ ولا أنَّهم آمَنُوا بِأنَّهُ كانَ رِجالٌ إنَّما حَكى اللَّهُ تَعالى عَنْهم أنَّهم قالُوا ذَلِكَ مُخْبِرِينَ عَنْ أنْفُسِهِمْ لِأصْحابِهِمْ وأُجِيبُ عَنِ الذّاهِبِينَ إلَيْهِ بِأنَّ الإيمانَ والتَّصْدِيقَ يَحْسُنُ في بَعْضِ تِلْكَ المَعْطُوفاتِ بِلا شُبْهَةٍ فَيَمْضِي في البَواقِي ويُحْمَلُ عَلى المَعْنى عَلى حَدِّ قَوْلِهِ: ( وزَجَّجْنَ الحَواجِبَ والعَيُونا ) فَيُخَرَّجُ عَلى ما خُرِّجَ عَلَيْهِ أمْثالُهُ فَيُؤَوَّلُ صِدْقُنا بِما يَشْمَلُ الجَمِيعَ أوْ يُقَدَّرُ مَعَ كُلٍّ ما يُناسِبُهُ.
وقالَ أبُو حاتِمٍ هو العَطْفُ عَلى نائِبِ فاعِلِ أوْحى أعْنِي أنَّهُ اسْتَمَعَ كَما في أنَّ المَساجِدَ عَلى أنَّ المُوحى عَيْنُ عِبارَةِ الجِنِّ بِطَرِيقِ الحِكايَةِ كَأنَّهُ قِيلَ ﴿قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ﴾ كَيْتَ وكَيْتَ وهَذِهِ العِباراتُ وتُعُقِّبَ بِأنَّ حِكايَةَ عِباراتِهِمْ تَقْتَضِي أنْ تَكُونَ أنَّ في كَلامِهِمْ مَفْتُوحَةَ الهَمْزَةِ ولا يَظْهَرُ ذَلِكَ إلّا أنْ يَكُونَ في كَلامِهِمْ ما يَقْتَضِي الفَتْحَ كاسْمَعُوا أوِ اعْلَمُوا أوْ نُخْبِرُكم لَكِنَّهُ أسْقَطَ وقْتَ الحِكايَةِ ولا يَظْهَرُ لِإسْقاطِهِ وجْهٌ وعَلى تَقْدِيرِ الظُّهُورِ فالفَتْحُ لَيْسَ لِأجْلِ العَطْفِ فَإنَّ النّائِبَ عَنِ الفاعِلِ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ كُلِّ جُمْلَةٍ عَلى إرادَةِ اللَّفْظِ دُونَ المُنْسَبِكِ مِن أنَّ وما بَعْدَها وإلّا لَما صَحَّ أنْ يُقالَ المُوحى كَيْتَ وكَيْتَ.
وهَذِهِ العِباراتُ فَإنْ كانَتْ أنَّ في كَلامِهِمْ مَكْسُورَةَ الهَمْزَةِ وصَحَّتْ دَعْوى أنَّ الحِكايَةَ اقْتَضَتْ فَتْحَها مَعَ صِحَّةِ إرادَةِ هَذِهِ العِباراتِ مَعَهُ فَذاكَ وإلّا فالأمْرُ كَما تَرى فافْهَمْ وتَأمَّلْ والجَدُّ العَظَمَةُ والجَلالُ يُقالُ جَدَّ في عَيْنِي أيْ عَظُمَ وجَلَّ أيْ وصَدَّقْنا أنَّ الشَّأْنَ ارْتَفَعَ عَظَمَةً وجَلالَ رَبِّنا أيْ عَظُمَتْ عَظَمَتُهُ عَزَّ وجَلَّ وفِيهِ مِنَ المُبالَغَةِ ما لا يَخْفى.
وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ والأخْفَشُ المُلْكُ والسُّلْطانُ وقِيلَ الغِنى وهو مَرْوِيٌّ عَنْ أنَسٍ والحَسَنِ في الآيَةِ والأوَّلُ مَرْوِيٌّ عَنِ الجُمْهُورِ والجَدُّ عَلى جَمِيعِ هَذِهِ الأوْجُهِ مُسْتَعارٌ مِنَ الجَدِّ الَّذِي هو البَخْتُ وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ ﴿ما اتَّخَذَ صاحِبَةً ولا ولَدًا﴾ عَلَيْها تَفْسِيرٌ لِلْجُمْلَةِ
صفحة 85
وبَيانٌ لِحُكْمِها ولِذا لَمْ يُعْطَفْ عَلَيْها فالمُرادُ وصْفُهُ عَزَّ وجَلَّ بِالتَّعالِي عَنِ الصّاحِبَةِ والوَلَدِ لِعَظْمَتِهِ أوْ لِسُلْطانِهِ أوْ لِغِناهُ سُبْحانَهُ وتَعالى وكَأنَّهم سَمِعُوا مِنَ القُرْآنِ ما نَبَّهَهم عَلى خَطَأِ ما اعْتَقَدَهُ كَفَرَةُ الجِنِّ مِن تَشْبِيهِهِ سُبْحانَهُ بِخَلْقِهِ في اتِّخاذِ الصّاحِبَةِ والوَلَدِ فاسْتَعْظَمُوهُ ونَزَّهُوهُ تَعالى عَنْهُ.وقَرَأ حَمِيدُ بْنُ قَيْسٍ «جُدُّ» بِضَمِّ الجِيمِ قالَ في البَحْرِ ومَعْناهُ العَظِيمُ حَكاهُ سِيبَوَيْهِ وإضافَتُهُ إلى ﴿رَبِّنا﴾ مِن إضافَةِ الصِّفَةِ إلى المَوْصُوفِ والمَعْنى تَعالى رَبُّنا العَظِيمُ وقَرَأ عِكْرِمَةُ «جَدٌ» مُنَوَّنًا مَرْفُوعًا «﴿رَبِّنا﴾» بِالرَّفْعِ وخُرِّجَ عَلى أنَّ الجَدَّ بِمَعْنى العَظِيمِ أيْضًا و«رَبُّنا» خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ هو رَبُّنا أوْ بَدَلٌ مِن «جَدُّ» وقَرَأ أيْضًا «جَدًّا» مُنَوَّنًا مَنصُوبًا عَلى أنَّهُ تَمَيُّزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ الفاعِلِ وقَرَأ هو أيْضًا وقَتادَةُ «جِدًّا» بِكَسْرِ الجِيمِ والتَّنْوِينِ والنَّصْبِ «﴿رَبِّنا﴾» بِالرَّفْعِ قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ نُصِبَ «جِدًّا» عَلى الحالِ والمَعْنى تَعالى رَبُّنا حَقِيقَةً ومُتَمَكِّنًا وقالَ غَيْرُهُ هو صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أيْ تَعالَيًا جِدًّا وقَرَأ ابْنُ السُّمَيْفِعِ «جِدا رَبِّنا» أيْ جَدْواهُ ونَفْعُهُ سُبْحانَهُ وكانَ المُرادُ بِذَلِكَ الغِنى فَلا تَغْفُلْ.
QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats.
Tafsir text may include <html>
tags for formatting such as <b>
,
<i>
, etc.
Note:
Tafsir content may span multiple ayahs. QUL exports both the tafsir text and the ayahs it applies to.
Example JSON Format:
{ "2:3": { "text": "tafisr text.", "ayah_keys": ["2:3", "2:4"] }, "2:4": "2:3" }
"ayah_key"
in "surah:ayah"
, e.g. "2:3"
means
3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
text
: the tafsir content (can include HTML)ayah_keys
: an array of ayah keys this tafsir applies toayah_key
where the tafsir text can be found.
ayah_key
: the ayah for which this record applies.group_ayah_key
: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
from_ayah
/ to_ayah
: start and end ayah keys for convenience (optional).ayah_keys
: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.text
: tafsir text. If blank, use the text
from the group_ayah_key
.